غمدان أبو أصبع
يعد غياب حزب البعث اليمني حالة فارقة في الواقع السياسي وهو الحزب الذي نظر اليه انه حزب كبير وفاعل خاصة عام تسعين.
عرف حزب البعث في اليمن منذ قيام الثورة وتقلدت قياداته أهم المناصب السياسية والعسكرية فمن هذا الحزب ظهر العمري رئيس الأركان ومحسن العيني وزير الخارجية ومجاهد أبو شوارب ودرهم ابو لحوم وغيرهم الكثير .
وهو نفسه الحزب الذي أسقط حكومة السلال بانقلاب عرف بانقلاب خمسة نوفمبر 67 ما مكنه من ادارة السلطة من خلف الكواليس مستفيد من تحالفاته مع الجناح القبلي والإخوان .
ليعود الحزب بقوة مع تولي الرئيس صدام حسين السلطة بالعراق .
لتفتح العراق حدودها و خزينته المالية على مصراعيها أمام قيادات الحزب في اليمن وتحولت جامعاتها وكلياتها العسكرية الى حالة استقطاع كبيرا للطلاب اليمنيين .
وهو ما جعل من البعث إمبراطورية مالية تمتع بها قيادات الحزب وهو ما يعد في نظر المتابعين لسير حزب البعث في اليمن الى حزب مالي سال إليه للعب الباحثين عن المال لا عن الفكر .
ويقول اخرون أن قيادة البعث قبل انشقاقها وعلى راسهم قاسم سلام وعبدالرحمن مهيوب فشلو في بناء الحزب بنية سياسية مكتفين بعملية استقطاب عددي لا نوعي في زيادة العداد كانت شغلهم الرئيسي ليسهل عليهم تقديم كشوفات المنتسبين القيادة القطرية بالعراق ليزاد كمية الدعم المالي وهو جل اهتمامهم .
ورغم محاولة عبدالحافظ نعمان والدكتور مدهش علي ناجي المحسوبين على حزب البعث السوري و المعروفين بايمانهم بالبعث كفكر ومنهج سياسي مؤدلج لا انهم ايضا فشلوا بحتوى الحزب إلى جانب فشلهم في تقريب المفاهيم بينهم وبين حزب قاسم سلام ومهيوب .
وهو نتاج طبيعي لغياب رؤية ايديولوجيته او فكرية تمكنهم من تجاوز الخلافات بين بعث سوريا والعراق .
في غياب البنية سياسية نتيجة الممارسة الخاطئة لدى قيادات البعث كشفت امام القيادات الجديدة مدى الهشاشة المبنية داخل البعث في ظل غياب مفهوم التأهيل داخل الكوادر فكوادر الحزب لا تحمل بعدا سياسيا ولا طموح فاعل في تحويل البعث الى نظام سلطة .
بقدر ما كانت قيادات البعث تهتم بجلب العنصر القبلي للانضمام دون الاهتمام بمدى معرفته وايمانه ببنية الحزب الفكرية .
فقيادة البعث ظلت تبحث عن شراء الذمم لا عن كوادر فاعلة وموادلجة ليتلاشى البعث بعد سقوط صدام حسين يتحول إلى حزب بلا قواعد جماهيرية فجماهير البعث لم تكن تعرف مبادئه نتيجة عدم تلقيها أي دورات تثقيفية حقيقة تقوي هوية الانتماء إليه ما يجعله خالدا في وجدان الجماهير مهما كانت العواصف التي تقف امامه في يوما ما فهي ليس جماهير البعث وانما جماهير صدام حسين ولم يكن البعث في مخيلة الجماهير المحسوبة عليه تنظيميا
وانما وعاء لتعبير عن حبهم لشخصية الرئيس العراقي لا الحزب وهو انتماء عطفي يزول مع غياب الشخص المحبوب لدى الجماهير.
تشرذم الحزب وتفتت قوة ليتحول إلى عدة أحزاب لتتبخر مفهوم القيادة القطرية للحزب في ظل سيطرة مناطقية عجيبة تجاوزت كل المفاهيم الذي ينادي بها بصفته حزب قومي يؤمن بالوحدة العربية.
ليتحول إلى حزب يبحث عن الاحضان الدافئة فقيادات الحزب غير معتادة على النضال السياسي المبني على إيمان راسخ بمنهجية البحث ومنهجه الفكري بقدر إيمانه بالسيولة الكبيرة التي كان لها جانب سلبي على بنية التنظيمية فرغم الأموال الكبيرة التي تلقتها قيادة الحزب من العراق لانها اختفت لانها لم تستخدم لبناء مصادر استثمارية لخدمة الحزب بقدر تحولها الى جيوب قياداته وهو ما يفسر اختفاء دوره بشكل كلي عن دوره السياسي تجاه ما يحدث في اليمن .
فرغم الأحداث الخطيرة والمدمرة التي يمر بها البلد تجد البعث حزب مغيب لا ذكر له.
ليتضح حقيقة أنه لم يكن حزب في ظل قيادة سلام ومهيوب وإنما مؤسسة استثمارية لجني الأرباح لتزول مع غياب الدعم .
بهذه الطريقة تآمرت قيادة العبث على الحزب وقضت عليه بسهوله وحولته الى حزب فاشل ولم تكتفي بإظهاره بمظهر الفاشل فالاحزاب تتعرض الى هزات ويتعرض قيادتها إلى اغتيالات وتصفية وتظرب مواردة المالية لا انه يظل حزب يمثل وجود في وجدان جماهيرية ليلتقط انفاسه مع أول فرصة جديدة تمنحه الظهور فسقوط القيادات لا يعني نهاية الحزب فالحزب فكر قبل أن يكون اشخاص .
والسؤال هنا كيف تمكنت قيادة البعث من تدميره بهذه السهولة دون تعرضه لاي هزات حقيقة فلا تم تصفية قياداته ولا تعرضوا للملاحقة ولا خاض صراع مع السلطة .
ويظل غياب البعث وتلاشيه لغز محير للبعثيين في اليمن