د كمال البعداني
بعد ان حقق الإنجليز اهدافهم العسكرية بضرب قوات الإمام يحيى واخراجها من المناطق الجنوبية التي كانت تخضع لحكومة صنعاء . عادوا لفتح المفاوضات الدبلوماسية مع الإمام . والذي جعلهم يسرعون إلى ذلك هو ان الإمام قد استطاع في 1928م الحصول على دعم سياسي جديد له ويتمثل بإعتراف (الاتحاد السوفيتي ) باستقلال اليمن الشمالي آن ذاك . هذا الدعم الروسي عزز الدعم الإيطالي التي كانت إيطاليا قد اعترفت بحكومة الإمام يحيى ودعمته ببعض الاسلحة. وعقدت مع اليمن العديد من الاتفاقيات العسكرية. بريطانيا كانت ترى في إيطاليا منافس خطير لها في المنطقة خاصة وايطاليا تحتل السواحل الأفريقية القريبة من اليمن . دارت مفاوضات بين الإنجليز عبر مبعوثهم إلى صنعاء (جاكوب )وبين الإمام يحيى انتهت بمعاهدة صنعاء (11 فبراير 1934م) . وكان من أهم بنود هذه المعاهدة اعتراف بريطانيا باستقلال دولة الإمام مع موافقة الإمام يحيى على ما اتفق عليه الأتراك مع الإنجليز وان يبقى الوضع على ماهو عليه ويؤجل البت في مسألة الحدود اليمنية إلى أن تقام بينهما مفاوضات قبل انتهاء هذه المعاهدة والتي مدتها (40) عام . (مصدر سابق ل شفيقة العراسي ) وقد حصل إختلاف بعدها حول مصطلح الحدود المذكور بالنص العربي من المعاهدة و بين الحد المذكور في النص الانجليزي . فالامام فسرها على أن كلمة حدود لاتعني الفصل بين شمال اليمن وجنوبه بل الوضع داخل المناطق الجنوبية التي تحت حكم الإنجليز . بينما يقول الإنجليز تعني الحد بين شمال اليمن وجنوبه . ومع أن الاتفاق ينص على أن النص العربي هو المعتمد عند أي خلاف إلا أن الإمام كان في وضع صعب بسبب الصراع العسكري مع الملك عبد العزيز على الحدود . بعد هذه الاتفاقية تغير الوضع في عدن حيث تم ضمها عام 1937م إلى وزارة المستعمرات البريطانية مباشرة ولم تعد تتبع حكومة بومباي في الهند.. وبعد الاتفاقية كذلك قام الإنجليز بضرب القبائل في المناطق الجنوبية والخارجة عن طاعتها قامت بضربها بالطيران من أجل الإذعان وان تلتزم بسلامة الطرق في مناطقها. فضربوا قبائل القطيبي والصبيحة واخضعوا القبائل المتمردة على السلطان الفضلي وابتكروا نظام الاستشارة وهو أن يكون هناك مستشار بريطاني بجانب سلطان المنطقة يتم استشارته في الأمور السياسية ولا يحق للسلطان التصرف في منطقته من بيع اراضي أو توقيع معاهدات إلا بعد الرجوع إلى المستشار . كانت سياسة الإنجليز قد رفعت شعار (التوسع إلى الأمام ) وعملت على إنشاء جيوش محلية في الأرياف لدعم السلاطين والانجليز. لقد كرست سياستها في الجنوب وأعيد تقسيم المنطقة إلى .1- محمية عدن الغربية وتشمل السلطنات والمشيخات التي في جنوب البلاد .2- محمية عدن الشرقية وتشمل سلطنة الشحر والمكلا (الكثيري والقعيطي ) والسلطنة المهرية في شحن وسقطرى وسلطنتي الواحدي .. ارسلت بريطانيا مستشارا واحدا إلى حضرموت لكل من القعيطي والكثيري بعد أن استطاع القعيطي بمساعدة الإنجليز التغلب على حكومة آل الكسادي في المكلا والذين كانوا حلفاء معه ذات يوم ضد الكثيري. . انشاء الإنجليز جيش البادية الحضرمي وجيش المكلا. .الإمام يحيى لم يقف متفرجاً ومن الطبيعي أن يرى في هذه التحركات مخالفة لبنود اتفاقية 1934م والتي تنص على عدم تغيير الأوضاع الراهنة داخل اراضي المحميات . فاحتج لدى بريطانيا ولكنها لم تستجب . فأوكل الإمام يحيى الشيخ علي ناصر القردعي صاحب حريب ( الذي كان في سجن الإمام ) أوكل إليه مد سيطرته إلى (شبوة ) والتي لم تكن داخلة ضمن الأراضي المحمية.. القردعي جمع قوة مكونة من خمسمائة مقاتل و700 جمل ورشاشين تركيين قديمين وقد كان معظم المقاتلين من قبيلة عبيدة في حريب (التاريخ العسكري لسلطان ناجي ) . وقد استطاع القردعي بهذه القوة السيطرة على شبوة . إلا أن الإنجليز وبالتعاون مع شريف بيحان قادوا حملة ضد القردعي بقيادة الضابط البريطاني (هاملتون ) تسندهم الطائرات فحاصروا قوات القردعي وقطعوا عنها مياه الشرب من الآبار وسط تجاهل الإمام له والذي أمره بالسيطرة مع عدم القتال ، وأمام هذا الوضع اضطر القردعي إلى الاستسلام بعد حوار قوي جرى بينه وبين الضابط البريطاني أظهر فيه القردعي ذكاء ومعرفة وقوة حجة ومعرفة بالتاريخ كما اورده (سلطان ناجي في كتابه ) . وقد اعتبر القردعي أن تسليم شبوة للانجليز والانسحاب المهين له قد كان بسبب سوء سياسة الإمام يحيى . فتركت في نفسه جرح كبير وحقد على الإمام يحيى مما جعله يقوم بنفسه بتنفيذ اغتيال الإمام عام 1948م . احتج الإمام لدى بريطانيا على ما حصل في شبوة ولكن دون فائدة .بقي الإمام غير معترف بالوضع في المناطق الجنوبية وبقيت الحالة العسكرية هادئة بين الطرفين خلال الحرب العالمية الثانية التي انتهت بزوال الخطر الإيطالي على النفوذ البريطاني في المنطقة .. غدا إن شاء الله سنستعرض في الحلقة السادسة أهم ما حدث في عقد الخمسينات وصولا إلى فجر 26 سبتمبر المجيد 1962م #كمال_البعداني