في حضرة "العظيمة مارب"*

2021/11/08 الساعة 12:07 صباحاً

 

بقلم / موسى المقطري
م

في العام 1948م اجتمع في صنعاء ثلة من الثوار اغلبهم من الشباب ليخططوا لازاحة كابوس الامامة عن اليمن ، وحضر معهم كهل من مارب في الثالثة والستين من عمره انزوى في أحد زوايا المكان يدخن غليونه ، ويمدهم ببعض من تجارب نضاله، وحين احتدم النقاش أجمع الثوار ان الأصعب في مهمتهم هو التخلص من الإمام يحي ، وتهيّب الجميع المهمة ، لكن ذلك الكهل أجابهم وهو لازال في زاويته ولم ينطفي غليونه بعد : "مقدور عليها باذن الباري" وتحمل المهمة الاكبر ، وأتمها باقتدار ، أتدرون من ذلك الكهل ؟
إنه الشيخ علي ناصر القردعي شيخ مراد في مارب ، الذي قال يوم أنجز مهمته :
هذا الصنم يسقط وذا شعبي معي
           يسعى إلى دولة نظام دستورية
يا بندقي مدّي ليحيى وازرعي
          بين العيون هذي الرصاصة الفورية
ما همّني من بعد قتله مصرعي
          أهم شي تحيا اليمن جمهورية 
وتوالت الأحداث وارتقى القردعي شهيداً ، واستمرت المحاولات ، ثم تحقق حلمه بعد أربعة عشر عاماً ، وأُسدِل الستار على حكم الأئمة ، وأضحت اليمن جمهورية .

 هذه هي مارب إذن منذ الأزل رجالها يحملون المهمة الأصعب ، وينجزونها على أكمل وجه ، والتاريخ يعيد نفسه فتحاول الأمامة أن تطل برأسها من جديد بانقلابها المشؤم في العام 2014م فتكون مارب في مقدمة المقاومين لهذا الإنقلاب ، وحتى قبل أن تسقط صنعاء بأيديهم كان الماربيون يؤسسون "المطارح" لحماية الجمهورية ، ومع إطالة عمر الانقلاب ظلت مارب مقصده ووجهته الأهم ، لكنها شكلت له ثقباً أسوداً يبتلع مقاتليه ، وتلقت مارب صنوفاً من الخُذلان والتخلي كان كافياً لتسلم أمرها للانقلابيين لكنها فضّلت ان تحمل المهمة الأصعب حين عجز او تخلى عنها الآخرون .

تلك هي مارب اليوم التي تعلمت دروسها من القردعي وعلي عبدالمغني والشدادي وطابور كبير من المناضلين ، فكيف لإماميي العصر الذين لم يعو دروس الماضي أن يحلمو بأن تخضع لهم ، أو أن تتخلى عن تاريخ عريق يربط بين أهلها وبين تلك الأرض التي نقش قدمائها حروفهم على الصخور الصماء لتظل معالم هذه العراقة حاضرة للأبناء تذكرهم بصلابة الأجداد ، ولتشكل اعمدتها الشامخة منذ الأزل منارات يهتدي بها الماربيون ويستمدون منها الشموخ والصلابة .

تواجه العظيمة مارب المشروع السلالي اليوم وحيدة وبصلابة منقطعة النظير وقد تخلى عنها القريب والبعيد ، فالحكومة الشرعية سلّمت كل قراراتها وخياراتها للتحالف ، والتحالف يبدو انه لم يعد مهتماً بإعادة الجمهورية وإنهاء الانقلاب بقدر اهتمامه بعدد الغارات التي نفذتها طائراته وإن لم تصب أهدافها ، والمجتمع الدولي عبر مندوبه يسعى بين الرياض وطهران ليبحث تحت الطاولة عن تسويات هلامية ولايقدم إلا الشجب والتنديد ،  وتبقى مارب منفردة تمثل الرقم الصعب والمعادلة الأصعب ، وبصمودها تثبت يوماً بعد يوم أنها قادرة بإذن الله على قلب الطاولة على الجميع ، والخروج من بين كل هذه المعمعة منتصرة .

قلوبنا مع مارب وأروحنا كذلك ، وثقتنا بها وبرجالها أكبر من أن تهتز بانتصارات وهمية يدفع الانقلابيون لأجلها ألافاً مؤلفة من المغرر بهم بينما هي لاتمثل في الواقع الجيوسياسي شئ لمن يدرك ذلك. 

دمتم سالمين ..