تمتلك جامعة تعز مكانة مرموقة ليس في المحافظة ولكن في البلد والاقليم لاعتبارات عديدة اهمها ما تقدمه هذه الجامعة من خدمات علمية واكاديمة وما تحتويه وتخرجه من كادر اثبت ويثبت جدارة متميزة يوماً بعد يوم ، وهذه المكانة المرموقة وكوني أحمل شهادة هذه الجامعة واعتز بذلك جعلني كل هذا أطرق موضوعاً غاية في الأهمية ، وأجد من الواجب الحديث عنه ليس ترفاً إنما تداركاً لما أراه خطأ يستوجب التصحيح ، او بالأحرى تجاوزاً وإهمالاً يستوجب المعالجة.
مركز الدراسات العليا في الجامعة هو في الأصل مركز إعداد إداري كان بتمويل وإدارة هولندية تم تحويله الى جهة مختصة بتدريس الماجستير والدكتوراه المهني ، رغم أنني أعلم أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كانت قد أقرت إيقاف هذا النظام ، لكن الجامعة مستمرة فيه ، وليست المشكلة كلها هنا لكن طريقة التأهيل والتدريس في هذا المركز تثير عدداً من التساؤلات ، وتوحي للمتابع أن المركز يدير نشاطه لغرض تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال بعيداً عن المعايير والاشتراطات التي نعرفها في الدراسات العليا.
سأكون في حديثي أكثر قرباً وواقعية ، وسأتحدث عن برنامج الدكتوراه الوظيفي في إدارة الاعمال ، والذي يقدمه مركز الدراسات العليا ، وما شدني لتناول هذا الموضوع إلا ما حدثني فيه بعض الدارسين بعفوية ، ورغم أن الحديث في بداياته لم يكن مقصوداً أو موجهاً لكنه اثار عندي الحماسة للتقصي حول التفاصيل ، وتواصلت بمسؤلي المركز مستفسرا عن طريقة سير الدراسة ،وكان ما علمته فضيعاً.
وافضع منه ان التبرير لذي يتداوله الكل في أروقة هذا البرنامج بسيط للغاية ، فالكل يريد ان يسبق الزمن ، ويحصل على الشهادة باقرب وقت! ، والشهادة هنا هي من جامعة تعز وليس من جامعة افتراضية أو أكاديمة ربحية على شبكة الانترنت ، ومن يحمل هذه الشهادة سيكون في أعلى مواقع صنع القرار سواء في القطاع الخاص أو العام باعتباره يحمل شهادة عليا من جامعة مرموقة.
يدرس الطلاب في المركز كل مقرر خلال اربع أسابيع بطريقة "المضغوط" ثم أسبوع إجازة ثم يختبرون المقرر ، وينتهون منه ، ويدرسون بهذا النظام مقررين متوازيين خلال نفس الفترة تزيد او تنقص كيفما يتفق الطلاب بحسب ما افاد به مسؤلو المركز ، وهكذا دواليك وخلال اشهر يكونون قد أنجزوا جميع مقررات الدكتوراة ، لتكون أسرع دكتوراه في العالم من جامعة يفترض أنها تطبق أعلى المعايير العلمية والأكاديمية ، والغريب أن يشارك في هذا السباق دكاترة أعزاء وقدرات متميزة ما كنا نأمل أن يسمحوا لانفسهم أن يكونوا جزء من هذا الوضع غير الطبيعي للاسف ، لكن ربما ضرورات الاوضاع التي تفرضها الحالة الاقتصاية تجبرهم على التماشي مع هذه التجاوزات بحق التأهيل الأكاديمي ، ولنا ان نضع تساؤلات عدة نتمنى ان تكون حجراً يحرك المياه الراكدة ويجعل أصحاب القرار يعيدون النظر في هذا الوضع ، ويوقفوا او يصلحوا هذا الوضع فورا قبل أن تفقد الجامعة سمعتها وتتحول كغيرها من جامعات الربح السريع ، وهذا ما لانريده ولا نتمناه.
بالله عليكم كيف يمكن لطالب دكتوراه أن يدرس ويجتاز وينتهي من مقرر خلال شهر واحد؟.
كم المراجع التي سيقرأها حول المقرر ؟ وكم المكاتب التي سيزورها بحثاً عن المعلومات المرتبطة بالمقرر ، وكم الأنشطة التي سيقوم بها ؟ وخاصة ان أغلب الدارسين غير متفرغين للدراسة بشكل كامل.
في أقل الاحوال سيتمكن فقط من قراءة الملزمة أو الكتاب الاساسي ، وقد لا يحصل ! وهذا في معايير البحث العلمي ليس هو المعيار لاجتياز المقرر.
بل كيف ستمنح له الدكتوراه من خلال فترة دراسية لأشهر فقط ؟ فيما نعرف أن أعرق الجامعات في العالم لايمكن اجتياز الدكتوراه فيها خلال أقل من عامين من الدراسة والبحث وانجاز الانشطة ومطالعة المراجع والكتب!.
ليس الزمن بحد ذاته هو المقياس لكن لابد من إتاحة وقت كافي لطالب الدكتوراه للبحث والاطلاع في تخصصه ، ولزوما عليه أن ينجز أنشطة متنوعة وأشياء كثيرة يعرفها المختصون كلها تصب في أن يصبح حامل شهادة الدكتورة جديراً بها ، وقادراً على تحمل المهام الادارية القيادية التي ستوكل إليه.
بنفس الطريقة يدرس الطلبة في برنامج الماجستير المهني (ادارة اعمال وادارة صحية ) والعدد كبير جدا يمكن ان يصل الى قرابة 700 دارس ودارسة بالمقابل فإن عدد المشرفين الممكنين اقل من اصابع اليد والسبب ان مهمة الاشراف حصرت للقائمين على البرنامج بشكل مباشر وقد يتبادل اثنان الاشراف على اغلب الطلبة بالتدوير المكرر مشرف / مناقش ثم العكس وعكس العكس.
صحيح أن وضع البلد متدهور ولا تتوفر أليات حكومية دقيقة للرقابة لكن ينبغي أن توجد لدى الجامعة أليات خاصة بها تحافظ على التاريخ العريق الذي تمتلكه ، وليس من الحكمة اغتنام فرصة غياب أليات الرقابة للسير نحو تحقيق ربح مادي على حساب الجودة الاكاديمية في مؤسسة يفترض بها أن تكون خدمية بحتة ، وليست هادفة للربح بالمطلق.
ختاماً كل ما أرجوه من وزارة التعليم العالي ومن رئيس ونواب ومجلس الجامعة وكلهم محل ثقة واحترام وتقدير تشكيل لجنة أكاديمة لاعادة النظر في هذا البرنامج وما يحصل فيه من تجاوزات ، وسنكون جميعاً على بصيرة ، وأثق أنه سيتم إعادة الاعتبار للقيم الأكاديمية والعلمية التي عهدناها ، وعهدنا جامعتنا سباقة إليها.
دمتم سالمين.