موسى المقطري
في زمن تغوّل الحرب ثمة حقائق تتسم بالمرارة تفرض نفسها ، وهي تزيد من الأوجاع التي تداهمنا ، وكل يوم تمر تقابلها زيادة للضريبة التي ندفعها في ظل هذا الوضع الاستثنائي الموبؤ ، وهذه الحقائق قد نكابر بعدم الاعتراف بها لكنها قائمة شئنا أم أبينا ، ونحن مجبرون على التعاطي معها .
من الحقائق المُرَّة خلال مرحلة الحرب القائمة أنها توفر مرتعاً خصبا للقيام بهدم ممنهج لكثير من القيم والمُثُل الايجابية والتي تجعلنا نعيش بسلام وهدؤ وأهمها احترام الأخر ، وتقدير انجازاته وجهوده ، وعدم مصادرتها ، وقبول رأيه ونقده واعتبار ذلك مدخلاً للتحسين والتطوير ، بالمقابل توفر هذه البيئة الفرصة للقيام بممارسات شنيعة منها سيادة قيم التفوُّد ، وسلب جهود المجدين ، وتهميش أرباب التخصصات عن ميادينهم ، وتحويل الوظائف والأعمال والمناصب لمجرد تسميات تجلب الوجاهة لاغير ، والاقصاء لمالكي القدرات والمبدعين ، وتحوليهم لعاطلين غير مرغوب فيهم .
في هذه البيئة اللاعادلة تتوفر الكثير من فرص النجاح للرجال الذين فقدوا نزاهتهم ، ويتحولون لقادة واصحاب قرار في محيطهم ، وينعكس تمكين هؤلاء على اختيارهم لمعاونيهم والعاملين تحت إمرتهم ، أما الشرفاء الذين يتمسكون بالقيم فلا توفر لهم البيئة سوى البؤس والفقر والحرمان والكثير من الوجع ، ويتم الاستغناء عنهم ببرود مقصود ، وبالتالي يلجئون للإنكفاء على ذواتهم ، وربما يملكون الحق في ذلك .
التسليم بالواقع والإرتضاء به ليس هو الحل الأنسب بالتأكيد فالمقاومة لكل هذه الممارسات السلبية يجب أن تكون أسلوب حياة في ظل هذا الوضع ، ومن الحكمة أن يتكاتف العقلاء وأصحاب الهمم وخاصة من تبقى لديهم قدرة وقرار على مقاومة هذه الظواهر ، والحد منها حفاظاً على ما يمكن الحفاظ عليه ، وتقليلاً للثمن الذي ندفعه .
دمتم سالمين ..