بقلم : عثمان الأهدل …
خلق الله البشرية على فطرة الخير، ولكن عدو الله ابليس قعد لهم بالمرصاد محاولًا تضليلهم واخراجهم من عبادة الله إلى عبادة الأوثان، إذ توعد وقال؛ {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
ولهذا أرسل الله رسله إلى الناس كافة ليرشدهم إلى مسالك الحق وصيانة أنفسهم ليكونوا سدًا منيعًا أمام غواية ابليس وأعوانه، وكان خاتمتهم سيد الأنام، خير من أُرسل إلى البشرية قاطبةً، تَخّرج من مدرسته أجيال ضُرب بها الأمثال وسُطرت في صفحات التأريخ سيرهم العطرة. فقال الله عنهم : {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ}
رجالٌ نهجوا نهج سيد الأنام صلوات الله عليه وعلى آله الكرام. ملؤا الدنيا عدلًا، وحرروا العبيد ورفعوا الجهل عن الناس، حاربوا الطغيان والاستبداد، وأرجعوا كرامة المستضعفين، وعمّروا الأمصار وخلّدوا في صفحات المجد فتوحاتهم وبطولاتهم التي كانت في منأى عن الخيلاء. أناس تُطوى الأرض من تحت أقدامهم، فرسانٌ لا يهابون لومة لائم من دون الله. هؤلاء من يستحقون أن نتفاخر بهم، وليس من طغاة عصرنا الذين أوصلوا الأمة إلى نفق مظلم، غير آبهن بمصير شعوبهم، بل أعطوا الذريعة للعدو أن يتسلط على رقابنا.
ثم يأتي بعد ذلك من يتغنى بهم، مرتضين لأنفسهم أن يبقوا في حُفر الرقيق غير قادرين أن يحرروا عقولهم من التبعية العمياء. كبلوا أنفسهم طواعية بشعارات من دلسوا عليهم أمورهم. طبلوا لهم وهم أحياءً، ولا يزال يطبلون لهم بعد هلاكهم، رغم أن سجلاتهم حافلة بالجرائم والمآسي التي أهلكت الأخضر واليابس، وتركت آثار لم تستيقظ الامة من نكباتها، بل كلما شُفت من واحدة تأتيها واحدة أخرى حفرتها خناجر اجرامهم لتكون شاهدة عليهم عبر الزمن.
فالتاريخ حافل بالشخصيات التي تستحق أن يحتذى بها وتُتخذ نبراسا نتفاخر بها، بدلًا من هؤلاء الذين أوجعوا الأمة أيما وجع. قد يكون السبب أن هذه الشعوب تريد أن تستنهض كرامتها التي هُدرت أمام الأمم الأخرى بعد أن كانت معززة وسيدة العالم، فما تلبس هذه الأمة الملكومة تجد خيطا لاعتزازها تتمسك به حتى وإن كان من أعتى المجرمين لكونه قال للإمبريالية كلمة "لا" و باستعلاء، غاضين الطرف عن اجرامه الذي مارسه عليهم، فقد انستهم نشوة العزة اللحظية التي لا تسمن ولا تغني من اجل الأنفة، لا من أجل اعلاء كلمة الله.
ومن الحصافة أن يتم انزال الناس في منازلهم واعطاء كل ذي حق حقه من الذكر وكمال التوصيف، ولا ننظر إليه من زاوية ونترك الزاوية المظلمة منه، فهذه تمحوا تلك وخاصة عندما يكون الضرر كوارث أو تخدير للشعوب بالتدليس والتمسح بالقومية التي أزهقها ديننا الحنيف. وليس كل من نطق بالشهادتين قبل موته أو من مات ساجدًا أو من مات في الأشهر الحرم مصيره الجنة، بل أعماله هي التي تشهد لهُ أمام الله، فكم من متغطيٍ بالورع أمام الناس كان جزاءه جهنم، ولو كان نَطقُ الشهادتين هو المصوغ، فإن فرعون آمن بالله أثناء غرقه في اليمّ، ولَكَان من المؤمنيين وأُدخل الجنة، ولكن نجاه الله ببدنه ليكون عبرة لمن بعده {اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}. ونصيحتي لهؤلاء أن يقرأوا سيرة من يمجدون، وكيف علا شأنهم. لا أريد أن أذكر اسماء بعينها هنا حتى أوفر على نفسي نقاش عقيم لا ينتهي بفائدة وقد يزيد شق الخلاف أكثر مما هو عليه.
نحن الشعوب التي من نصنع الاستبداد بجهلنا وتبعيتنا العمياء، جهلاء فيما لنا وما علينا، لا نعي للأسف أبسط مستلزمات العيش بكرامة مطلقة التي كفلها الله لنا وأعزنا بها. نحن من تربينا على فقد الهوية والكرامة، نحن من قبلنا أن نمنح الطغاة قداسة، ونحن من سلمنا صكوك عبوديتنا لهم. فقد قيل في الأثر ؛" خادم القوم سيدهم"، فهذه لم تأتِ من فراغ، بل هي تعكس نهج سيد الأنام عليه صلوات الله ومن بعده خلفاءه الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين، لم تكن حياتهم ترفًا وأُبّهى وتظاهرًا أبدًا، بل كرسوا جل وقتهم في خدمة الناس والسهر على متطلباتهم، ولنا أسوة في الفاروق الاواب بما فعل مع تلك المرأة التي كانت تغلي حجارة في قِدر ماء لتلهي بها أولادها حتى يناموا على جلدة بطونهم، وهناك الكثير الكثير التي نجهلها لقلة اطلاعنا بسيرهم العطرة.
قد يقفز بعد المتغافلين و يحتج بقصة الذي قتل ٩٩ نفسا ثم تاب وتُقبل منه، ونسي أن الله سبحانه الجبار توعد القاتل بالعذاب العظيم، حتى ولو بعد حين : {ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا}. أنا لست هنا لأنفي أي حديث فأنا لست عالما لأتجرء على ثوابت الدين، قد يكون هذا الحديث، له مصوغات غير الذي نتحدث عنه، ولا يحق لأي أحد أن يزج بهكذا أحاديث ويستخدمها في غير محلها ويحدث ربكة في عقول من هم على حرف من هاوية الإلحاد. وليس هذا مبررٌ أو مصوغًٌ لنتجاهل سجله المليء بالفظائع من أجل لحظات اشبه أمامنا بلحظات عدل يقصد منها غاية في نفس يعقوب.
وإلّا فماذا نبرر لرئيس دولة يمتلك مليارات الدولارات التي اُستعصى عدها وشعبه قابعٌ تحت نير الفقر. ألا يُعد تبجيله هذا من محض الغباء المستفحل الذي شجعه ليمتطينا كالحمير و يؤرجح قدميه. فهل من عاقلٍ يقف وقفة مع نفسه ويعي مآلاته وتصرفاته وينفض غبار الجهل والتبعية عنه. صدقوني إن بلادنا لن تعود طالما نحن الشعب منقسمين إلى طوائف وأحزاب نساندُ الطغاة وكأنهم هم الوطن. اصحوا ياقوم فلنضع أيدينا فوق بعض ولنقل كفانا استغفال وقتل بعضنا. فلتكن ثورة عارمة لحصار المستبدين من كل الأطراف ونرمي بهم خارجًا دون رجعة، صيحوا عليهم وقول لا للحرب وبصوت مرتفع لا وكلا وألف لا .