لا تستطيع السعودية محو العار التاريخي الذي لحق بها جراء تدخلها الفاشل في اليمن ولو بعد مائة عام، كل تلك الاجراءات البائسة والحديث المتضخم عن برنامج الإعمار، لا يمكنه ترميم الندوب العميقة التي تركتها في مستقبل ومصير البلاد.
نحن أمام أكبر جناية وجودية ارتكبتها دولة جارة بحق شعب فاقد للحيلة ونخبته رهينة لديها. يطلع عليك محمد آل جابر متحدثًا بوقاحة عارية وكأنه قد أنجز وعدًا لليمنيين ووضع بلادهم على مصاف الدول المتأهبة لغزو الفضاء.
في مقابلته الأخير، بدأ سفير السعودية باليمن،محمد سعيد ال جابر منتشيًا وهو يتحدث عن المشاريع المركزية لبلاده في اليمن، دعم المشتقات وإصلاح طريق العبر ومستشفى في عدن ومدينة طبية في المهرة، ليس من طباعنا الاستخفاف بالعطايا والمنح من أي جهة كانت ومهما كان حجمها ضئيلًا أو كبيرًا.
وللإنصاف الشخصي، فالسفير السعودي ال جابر معروف بالكرم، كما أنه لطيف جدا في حديثه، إنه يكرم جيشا من الدراويش الذين يدافعون عنه ويحرسون صورته؛ بدلا من أن يترك عمله شاهدا عليه، وتلك حيلة المسؤولين حين لا يكون بحوزتهم رصيد نجاح يكفي لحراسة صورتهم. فيتدبرون الأمر طريقة أعراب البادية القدامى.
حسنا، لربما ما لم تفقهه المملكة وسفيرها في اليمن، هو أن كل ما يمكن تقديمه على مستوى الدعم اللحظي أو حتى ترتيبات هنا وهناك تتعلق بالبنية التحتية، كل هذا لا يلغي الخلل الكارثي على المستوى السياسي وطريقة إدارتها للحرب بشكل عام. وعليه فلا جدوى من أي تحسينات سطحية ما دامت الأرضية كلها مهدومة.
صحيح هناك تضخيم من قبل السفير ال جابر حول أهمية ما يقوم به برنامج الإعمار ومؤسسة الملك سلمان، لكن حتى لو تجاوزنا هذه المبالغة فسوف تظل المشكلة قائمة. ويتجلى السؤال الكبير: بعد سبع سنوات حرب، أين هي اليمن اليوم، ما هو مصيرها، وما دور السعودية في توسيع هذه الهاوية..؟
وعليه، قد لا أحد ينكر الأدوار التي يسردها “الحاكم بأمر الله” أو ربما “الحاكم بأمر الملك” في اليمن، السفير السعودي وبرنامج إعماره المزعوم، على أن إقرارنا بصحة تلك الخدمات الشكلية التي يقدمها، لا ينفي تهمة العار عن المملكة بقدر ما يثبتها. من المخجل أن تغدو تلك الأدوار مصدر تباهي أمام شعب يغرق في الهاوية كل يوم.
استنجد اليمنيون بالسعودية؛ كي تسندهم ليقفوا على أقدامهم، وليس كي تأتي لتهدم البلاد ثم تعيد إعمار مؤسسة مؤسستين وتخرج للحديث بثقة وكأنها قد أنجزت دورها التاريخي المؤكلة به. أما إذا كان هذا أقصى ما يمكنها فعله، فالعار مضاعف هنا ورحم الله “سفير” عرف قدر نفسه وبلاده وتنحى جانبًا واعتذر عن كثرة البجاحة والظهور المستفز.
نقولها للمرة الألف، لسنا شعب يتسول مصيره من أحد، بمن فيهم الجوار، كما لسنا شعب قطيعة يستنكف أن يلوذ بأخيه، لكننا في الحالتين، نرغب بشيء واحد، عاملونا باحترام، نحن شعب مثلكم، توقفوا عن استلاب قرارنا، ساعدونا بشرف الجوار أو فلتدعونا نتدبر أمورنا ولينته هذا الهوان.
الخلاصة: مشكلة السعودية أنها ترمم بعض أجزاء الغطاء الخارجي للوضع العام في البلد وتترك الإناء بكامله مثقوبًا، تدعم الحكومة باحتياجاتها من المشتقات، وتمنع أو تعيق تشغيل مؤسساتها النفطية الداخلية، تساعد هذه الوزارة أو تلك، وتفرض وصايتها على قرارات التعيين، تمنحك ما تشبع به جوعك ليوم أو أسبوع أو شهر، وتمزق شبكتك الخاصة وما بها قد تصطاد طعامك. تصلح بعض اطارات البلد وتحطم السفينة بكاملها .
لربما السؤال المركزي الذي لم يجب عليه سعادة السفير، هو : كم سنوات على اليمنيين أن ينتظروا كي تتعافى دولتهم، هل يمكنه أن يمنحهم تاريخًا تقريبيًا في المستقبل ستكون بلادهم _مع حلوله_ قادرة على أن تدير مصيرهم وتوّمن مستقبلهم دونما ارتهان لأحد، هل يعدنا سعادة السفير بدولة، ألا تفكر السعودية أن تطلق سراح المستقبل اليمني المعتقل في مكاتبها، تتوقف عن العبث بمصير شعب كامل وتتقبل علاقة ندية محترمة، يقف فيها الجار سندا لجاره؛ لكنه لا يتدخل ليملي عليه كيف يطبخ طعامه وقراراته..؟
الكرة في ملعب بريمر اليمن السفير ال جابر
*رئيس مركز هنا عدن للدراسات الاستراتيجية