إن ممارسة السياسة في العالم ترتبط بأشخاص واضحين أمام مجتمعاتهم ، قد تصنع منهم التجربة والخبرة والإنجاز رموزا ، يعرف الناس كيف بدأت حياتهم السياسية وعلاقاتهم وتحالفاتهم وحتى تفاصيل تاريخهم الشخصي ، باعتبار ذلك جزءا من نظام اجتماعي سياسي لحماية النزاهة.
بينما ترتبط السياسة في بلادنا بالغموض والأحاجي أكثر من أي مكان آخر، إذ يمكن أن يحمل المرء بطاقة عضوية لحزب وهو يعمل لصالح حزب آخر ، فسلوك السياسيين اليمنيين يرتبط بالغموض والضبابية والريبة ، فالمخلافي الذي كان في يوم ما ناصريا قوميا ، فجأة ظهر في المملكة العربية السعودية تلك الدولة التي لطالما وصفها بالرجعية والإمبريالية وجميلة علي رجاء التي عاشت شطرا كبيرا من حياتها في كنف النظام السابق تتعصب له وتمنع انتقاده ظهرت فجأة في ساحة الجامعة داعية إلى إسقاطه وصخر الوجيه الذي كان يحمل بطاقة المؤتمر ظهر أنه إصلاحي الهوى والنشأة.
وأنا هنا لا أصادر على هؤلاء الثلاثة حقهم في اختيار حياتهم السياسية ، لكنني فقط أشير إلى استخدام الذرائعية والباطنية في ممارسة العمل السياسي الذي لا يظهر في أي مجتمع من المجتمعات الديمقراطية إلا في بلادنا ، بالإضافة إلى أن الثلاثة تربطني بهم علاقة مودة وصداقة ممتدة لسنين عديدة ، وهذه الحالة ليست مقتصرة عليهم ، بل تكاد تكون توجها عاما في السياسة اليمنية.
لذا، لا يتوقف الحال في اليمن عن تغييب الناس عن السياسة ، بل نستطيع القول ، إن الناس لا يعرفون كيف يأتي السياسيون وكيف يخرجون من المسرح وكيف يتحولون أحيانا إلى ضحايا وأحيانا يلبسون أقنعة المصلحين والمنقذين ويمارسون سلوك الانتهازيين أو السماسرة وحتى قطاع الطرق أحيانا أخرى.
مادفعني إلى كتابة هذه السطور ، هو مشاهدتي لجلوس الثلاثة في رحاب محمد الغيثي كالتلاميذ وهو يرأسهم في هيئة المصالحة وهو في سن أحفادهم ، فمن غير المنطقي أن يكون نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية يقوده واحد في سن أحفاده ، ليس لديه لا خبرة سياسية ولا حتى حياتية ، فهذا مؤشر يجعلنا نتأكد أن ما يجري في عدن يصب في إطار المصالح الشخصية على حساب المصلحة الوطنية ، وأن الذين ذهبوا إلى عدن لم يناقشوا القضايا الخلافية بصوت مرتفع والوصول إلى حلول تنهي مأساة هذا الشعب الذي أصبح معبرا وجسرا ووسيلة للمصالح الشخصية