موسى المقطري
منذ أكثر من مائة يوم يجري الحديث عن هدنة ترعاها الأمم المتحدة وتعتبرها الديبلوماسية الأمريكية أحد إنجازاتها ، لكن على واقع الأرض لا تبدو الهدنة شيئا ملموساً إنما عنوان للاستهلاك الإعلامي لا غير ، إذ تواصل المليشيات الحوثية الانقلابية ممارسة سلوكها العدواني بحق اليمن واليمنيين بالقصف والقنص وتفخيخ أفكار الشباب والأطفال للزج بهم في محارق الموت أمنةً من تحرك الطيران وهو ما تعتبره هدية قٌدمت لها دون مقابل .
في كل مراحل الهدنة الأولى والثانية تم تدليل المليشيا لغرض اعلان القبول بها ، وقُدمت لها التنازلات لأجل ذلك ، ويبدو اليوم أن نفس السيناريو يتكرر بعد وصول وفد من الأمم المتحدة ودولة عمان إلى صنعاء لهذا الغرض بعد أن انفتحت شهية الانقلابيين على المزيد من التنازلات ، وهذا كله لا يقدم حلا للمشكلة ولن يوقف الحرب بقدر ما يقدم أسباباً أخرى لاستمراها لأطول مدة ممكنة .
يجب التأكيد أولاً إن الهدنة في وضعها الطبيعي هي إجراء ضمن عملية سلام متكاملة تفضي لتوقف الحرب واحلال السلام ترافقها الكثير من الإجراءات الأخرى التي تسير باتجاه اثبات حسن النوايا من جميع الأطراف بخطوات أولية ، ثم السير بشكل متوازن بخطوات تالية تشمل كل الأطراف ، أما ما حصل فهو اعتبار الهدنة هي الهدف والغاية ، وتقديم كل التنازلات للطرف الانقلابي على طبق من ذهب دون ربطها بخطوات موازية ، وهذا إجراء لن يصل بالبلد إلى شيء يذكر ، وانما سيعطي الطرف الانقلابي المزيد من الوقت لإعادة ترتيب صفوفه ليواصل عبثه وعدوانه .
الأسوأ من ذلك أن يتم تدليل الجماعة الانقلابية عبر تقديم المزيد من التنازلات مقابل إعلانها القبول بالهدنة لا غير ، وغض الطرف عن جميع الاستحقاقات التي يجب عليها تنفيذها ، والصمت المطبق عن الخروقات التي مارستها هذه الجماعة طوال فترة الهدنتين السابقتين ، وهذا كله ينقلنا إلى تساؤل هام يجب الإجابة عليه ، وهو من الذي يصنع السياسة اليمنية ؟ وكيف يتم طبخها بعيداَ عن المصلحة العليا للبلد ؟ وهل للجهات الرسمية المعنية دوراً في هذه القرارات أم يتم استبعادها من كل ما يدور ؟
إن صناعة السياسة اليمنية بعيداً عن اليمنيين هي أسوأ ما خلفته هذه الحرب التي اشعلها الانقلابيون وأوصلتنا إلى هذا الوضع المرزي ، ومن حقنا كبلد وشعب أن نمتلك خياراتنا بالتوافق مع الإقليم والعالم دون فرض الوصاية لكن تحت قاعدة المصالح المشتركة للجميع ، ومن أهم القرارات التي يجب اليوم أن تكون القيادة السياسية فاعلة فيها قرارات الحرب والسلام وما يتعلق فيهما من تصعيد أو هدنة أو حوار وليس من الحكمة ان تسلم القيادة السياسية أمرها في انتظار ما يقرره الأخرون ، وهذا الدور منوطاً اليوم بالمجلس الرئاسي الذي عقدنا الآمال ولازلنا نعقدها عليه .
صحيح إن صناعة القرار المتحرر كلياً في مثل وضعنا الحالي غير ممكن بالكلية المطلقة لكن بإمكان قيادتنا السياسية استعادة البساط الذي تم سحبه تدريجاً لتكون شريكة أساسية في كل القرارات وليس طرفاً منفذاً لاغير ، وبالامكان ذلك عبر انتهاج إداء سياسي ذكي يوازن ولايصادم ، وبذلك سنتجاوز هذا التدليل الذي يحظى به الانقلابيون وننتقل من التحاور معهم كند إلى التعامل معهم كطرف متمرد على الدولة بانقلابه أولاً ثم على قرارات المجتمع الدولي برفضه كل الفرص التي أتيحت له للدخول في عملية سلام وإيقاف عدوانه بحق اليمن والجيران .
لازال لدينا بعض أمل بالتجديد السياسي الذي حصل في جسد المؤسسة الشرعية وسيتعزز هذا الأمل أكثر حين نلاحظ خطوات وقرارات تصب باتجاه الفاعلية السياسية واستعادة زمام المبادرة والقرار استناداً للدعم السياسي الدولي والاقليمي والانتقال لمربع صناعة القرار السياسي الفاعل بدلاً من المكوث في مربع المنفذ لاغير .
دمتم سالمين ...