إنها لا تكتفي بالصفعة الأولى، وتعاود المحاولة بشكل مستمر؛ كي تحظى بمساحة قدم في هذه المنطقة أو تلك.. أتحدث عن الإمارات، هذه الشركة المتعهدة للحروب وبث الصراعات في المجتمعات، لا يهدأ لها بال، حتى تجرب كل حيلها في تخريب مستقبل الدول وتصدير التوترات نحو باطن المجتمع.
لا تكتفي الإمارات بالتمدد في المناطق التي تحظى فيها بأدوات مؤيدة لها، بل تحاول توليد أدوات قسرية حتى في تلك المناطق التي ترفض أي تواجد تابع لها فيها. مثال بارز على ذلك محافظة المهرة، هذه المحافظة الأبعد عن أي ميول مؤيدة للإمارات، هي اليوم عرضة للدسيسة من قبل دراويش ابن زايد.
من المعروف أن محافظة المهرة لديها روابطها مع سلطنة عمان، وهذا الحديث ليس كشفاً جديداً، بل حقيقة جيوسياسية معروفة للجميع، بحكم الحدود الجغرافية بين سلطنة عمان والمجتمع المهري، على أن هذه الروابط البينية ليست وليدة اليوم، بل هي حالة متراكمة منذ عقود طويلة.
والحال هذا يفترض بكل الفاعلين الإقليميين بمن فيهم الإمارات أن يحترموا مناطق نفوذ الدول الأخرى، وحين نتحدث بهذا، لا يعني أننا نقر النفوذ بمعناه السلبي، أي البعد المنطوي على الهيمنة والإلغاء ومصادرة قرار السلطة المحلية، أو حتى استخدام القوى الاجتماعية لتنفيذ أجندة معادية للدولة ذاتها مجال النفوذ.
لا تكتفي الإمارات بالتمدد في المناطق التي تحظى فيها بأدوات مؤيدة لها، بل تحاول توليد أدوات قسرية حتى في تلك المناطق التي ترفض أي تواجد تابع لها فيها.
لكننا نقصد النفوذ المتناغم مع توجهات المجتمع المحلي والمؤيد لمصيره الباحث عن دولة، وهذه الحالة هي ما هو عليه نفوذ سلطنة عمان في المهرة، حيث يتضح جلياً أن هذه الدولة حرصت على تشبيك علاقات اجتماعية مع مجتمع المهرة وقواه الحية، وبشكل يعزز طموح أبنائها لبناء دولتهم.
لكننا اليوم أمام لؤم سياسي شاذ ولا يراعي أي اعتبارات للأعراف السياسية بين الدول، فالإمارات عبر تحركاتها الجديدة في المهرة، لا تسعى لفرض سياسة متصادمة مع توجهات المجتمع المهري فحسب؛ بل تتجاوز ذلك، لمحاولة الدخول في صدامات نفوذ مع سلطنة عمان، ما يعني تحويل المجتمع المهري لساحة استقطابات وتعميق انقسام محلي معيق لأي توجهات رامية لبناء دولة.
الحديث أعلاه لا ينطلق من فرضيات ذهنية مفصولة عن الواقع، فهناك عشرات ومئات الشواهد المؤكدة للخلاصة السابقة. لدينا شخصيتان بارزتان تتحرك تحتهما الدسائس الإماراتية، وهما المدعو عبد الله عفرار، والمحافظ السابق راجح باكريت. هاتان الشخصيتان المنبوذتان في مجتمعهما، هما اليوم رأس حربة الطموح الإماراتي لتقويض محافظة المهرة وتحويل مسارها؛ كي تصبح داخلة ضمن مشروع الإمارات الهادف لتفكيك جغرافيا البلاد وتدمير وحدة الكيان الوطني، بل والمعادية لمنطق الدولة بشكل جذري. حتى بصرف النظر عن قضية الوحدة والانفصال، فاللعبة الإماراتية في نهاية المطاف، ليست في صالح أحد، بما في ذلك المدفوعين بلافتة الانفصال، إنها تبيع الوهم للجميع، والغاية هي تثبيت نفسها كطرف مهيمن ومتحكم في مستقبل البلاد ومصيرها بشكل عام.
تحركات الإمارات الأخيرة، ومحاولتها تنظيم فاعليات وأنشطة في المنطقة والاشتغال بمسارات متعددة، بهدف انتزاع المحافظة من أبنائها، كل هذه المخططات، لن تمر بسهولة، ولا بد أن كلفتها ستكون مرتفعة.
لأبناء المهرة أن يحفظوا هذين الاسمين جيدا، وأي نزاع مستقبلي -لو قدر الله- في المهرة، يتحمل مسؤوليته من نسّق وموّل وخطّط وكان أشبه بسمسري يدل الغرباء على بلاده ومجتمعه، وينساق خلف الإغراءات الإماراتية؛ كي يضّحي بسلام المجتمع ويزرع جروحا بداخله لن تكون آثارها هينّة ولا بد أن ترتد وتؤذي صانعيها، والزمن خير من سينبئك بهذا.
الخلاصة: نحن أمام دولة لن يتوقف مكرها وخطرها على المجتمع اليمني ودولته، إنها ماضية في مشروعها التخريبي وكل يوم تحاول التمدد في مناطق أكثر بعدا عن مجالها الممكن للنفوذ. وأي دارس لبنية المحافظات اليمنية وتكويناتها الداخلية، يدرك بوضوح أن محافظة المهرة هي أشبه بنسيج متوحد مع ذاته، ولا توجد حوامل مجتمعية ذات ميول مغايرة لما هو عليه المجتمع المهري بوضعه الحالي.
وعليه فتحركات الإمارات الأخيرة، ومحاولتها تنظيم فاعليات وأنشطة في المنطقة والاشتغال بمسارات متعددة، بهدف انتزاع المحافظة من أبنائها، كل هذه المخططات، لن تمر بسهولة، ولا بد أن كلفتها ستكون مرتفعة. هذه صرخة لكل الفاعلين في المحافظة أن يحترزوا من المجهول القادم والمخططات الرامية لتعميق الشقاقات في المحافظة وتحويلها لمسرح فوضى، كما لو أن بلادنا صارت مسخّرة وقربانا لكل دولة طائشة ترغم بتجريب حظوظها في مناطق تنبذها كل يوم وترفض التقارب معها ألف مرة.
نقلا عن موقع: عربي21