تأسَسَ المؤتمرُ الشعبيُ في 24 أغسطس 1982، مسيطراً بعد الوحدةِ على ساحةِ السياسةِ اليمنيةِ، منتصراً في كلِ انتخاباتٍ، متوليا زمامَ الحكومةِ دائما.
ويظنُ البعضُ أنَّ ذلك انتهى بعد ثورةِ الشبابِ في2011م، ضدَ حُكْمِ المؤتمرِ السياسي والعائلي، وأنَّ هناك تشظياً في هيكلةِ الحزبِ تنظيميا، وفي أيدلوجيتِهِ سياسيا. وهذا قولٌ يفتقد للموضوعيةِ، ويَدحَضُهُ واقعُ نفوذِه السياسي في جُلِ المكوناتِ والسلطاتِ على الساحةِ.
فقد أحسنَ التخطيطَ مسبقاً، ووزعَ رجالَهُ المؤهلين الثقاتَ، على كلِ عشٍ سياسي وجماهيري، وهاهُمُ اليومَ في الشرعيةِ حُكامٌ، وفي الانتقالي قادةٌ، وعند الحَوَثَةِ يترَقَبُون.
وهذا إنجازٌ حَقَقَهُ عن جدارةٍ سياسيةٍ، عبرَ تفعيلِ استراتيجيةِ طائرِ الوقواق، المتسللِ خلسةً نحو أعشاشِ طيورٍ أخرى، ملقيا ببيضِها أرضا، واضعا بيضَهُ فيها، لتقومَ الطيورُ الغافلةُ بمهمةِ تدجينِ بيضِهِ، ظانةً أنَّهُ بمجردِ وجودِه في عشِها، فقد أصبحَ منها وإليها.
هذا ما فعلَه المؤتمرُ بالحراكِ الجنوبي، الذي كان يهاجمُ المؤتمرَ الحاكمَ في كلِ فعاليةٍ مليونيةٍ، بينما المؤتمرُ بدهاءٍ كانَ قد وضعَ بيضَهُ التنظيمي مسبقاً في قلبِ الحراكِ القيادي، مُلقياً ببيضاتِ الحراكِ الأساسِ أرضاً، وليُفقِسَ بيضُهُ عن طائرٍ يحملُ باطنياً جيناتٍ مؤتمريةً خالصةً، وَيُغَطِيه ظاهراً زغبٌ جنوبيٌ، لا يَمتُ لمشروعِ الحراكِ الشعبي بأي صلةٍ.
ووجدَ الحراكُ نفسَهُ فاقِدَ سُلْطَةِ القرارِ الجنوبي شعبيا وسياسيا وفاعليةً، لتبدأ سيطرةُ أبناءِ الوقواقِ على مفاصلِ العملِ السياسي والجماهيري تحت مُسمى " المجلس الانتقالي الجنوبي". وقريبٌ من ذلك ما فعله مع منظمِ ثورةِ الشبابِ، تجمعِ الإصلاحِ اليمني، الذي يملكُ تنظيما منضبطا، لن تُفلِحَ استراتيجيةُ الوقواقِ المعهودةِ في اقتحامِ عُشِهِ الحصينِ. وهنا حظيَ بدعمٍ خارجي، لم يبخلْ عليه عسكريا وماليا، مقابلَ تحقيقِ أهدافِ تحالُفِهِم في وطنِنا، والتخلصِ ممن يقفون عقبةً أمامَ مخططِ أطماعِهم. وعليه وَوِفَقَ مبادرة تَمَّ تخطيطُها سلفاً، أسسَ له حلفاؤهُ عشاً شرعيا، يَضُمُ بيضاتِهِ وبيوضَ الإصلاحِ وغيره، ليبدأ وداعموه في استيعابِهم، ترغيبا وترهيبا، وجعلهم تابعين لهم، لا يحيدون عن قرارِهم ورأيِهم، ولا يملكون قدرةً على مغادرةِ ما حُبِسُوا فيه من عُشْبٍ وقَشٍ، فأصبحَ الموجودُ مستظلا بريشِهِم، ناعقا بصوتِهم، متبعا خَطِ طيرانِهم، ومن أظهرَ ممانعةً فما أسهلَ عليهم من رَميِهِ على قارعةِ الطريقِ، ولو كانَ من رموزِ بَيضٍ وقواقيةٍ عُليا، ولكم في إقالةِ رئيسِ الوطنِ ونائبِه خيرُ شاهدٍ ودليلٍ.
وَحَلَّ محلَهُم مجلسٌ رئاسي صوري، يُنَفِذُ ما يَأمُرُهُ به الكفيلُ دونَ نقاشٍ، ولو كانَ ذلك يتطلبُ منهم شَقَ قلبِ الوطنِ، وتفتيتِ كَبِدِ الشعبِ. مجلسٌ يمنيٌ، ليسَ له من السيادةِ إلا ما يكونُ لعبدٍ نحو سيدِهِ، وليس له في القيادةِ إلا ما كانَ مِن أجيرٍ في خدمةِ مولاه.