مما يذكره التاريخ الحديث أنه وبعد أن غادر الاترك اليمن بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى بدأ الامام يحيى يشن حروبه على اليمنيين ليخضعهم لدولته، وسلك مسلك الأئمة الذين سبقوه في ضرب القبائل بعضها ببعض، وتسليط من قبلوا بامامته على الرافضين لها، فاصبحت القبائل تحارب بعضها فيقتتل اليمنيون ويجني الإمام ثمرة ذلك اضعافاً للطرفين وتقوية لدولته .
ومن القصص العجيبة التي ترويها كتب التاريخ ما حدث في العام 1948م حيث أباح الإمام الكهنوتي يحيى حميد الدين المناطق التي أسماها "المفسدات" وهي "العدين" و"حبيش" لقبائل من "آنس" و"الحدا" عبر زامل قال فيه: "ألا يااهل الحدا يا أهل آنس عشاكم في البلاد المفسدات" ، وعلى إثر ذلك حدثَت أسوء عملية نهب وإتلاف وتدمير تماماً كما أراد وخطط لها الإمام ، وبعد أن أنهت القبائل المهاجمة مهمتها راق للإمام أن يستولي على المنهوبات لذاته، فأمر بإلحاقها إلى بيت المال وتبرأ من المهاجمين عبر زامل آخر: "يااهل الحدا خيرة الله عليكم حق بيت المال كلاً يرده".
لم تكن هذه هي الحادثة الوحيدة التي مارس فيها الإماميون سياسة "فرق تسد" إنما كانت حياتهم ودولتهم قائمة على هذا المبدأ ، وفي كل جولة من جولاتهم مع اليمنيين مارسوا هذا الأسلوب القذر، فاسْتَعْدُو كل قبيلة على الأخرى، وحرشوا بينهما ليجنوا ثمن ذلك السيطرة على البلاد وحكمها ونهب خيراتها لصالح سلالتهم دون بقية الشعب، وهم في هذه الأساليب يتكئون على إرث حافلٍ بالتحريش وصناعة الصراع منذ أن وصل كبيرهم الذي علمهم اللؤم "يحيى الرسّي" اليمن عام 284هـ الذي أسس وأرسى هذه السياسة في ضرب القبائل والمكونات ببعضها، ويذكر المؤرخون أنه أول ما بدأ حركته أوقع بين قبائل صعدة ليتحاربوا حتى إذا ضعفوا وأنهكتهم الحروب ارتدى جلباب المصلح فاستمالهم وجعل من تبقى منهم جنوداً له، وبهذه البداية الدموية السيئة أسس نواة دولته وورّثها الأئمة من بعده.
ثم جاء الحوثيون ليحملوا الراية من جديد ويجددوا ما اندرس من تاريخ الإماميين القدامى منذ الرسّي وحتى الامام يحيى وابنه أحمد، فساروا على نفس النهج والطريقة ، وكان أول ما انتهجوه لضرب المجتمع الذي يمكن ان يشكل حجر عثرة أمام مشروعهم الطائفي هو إعادة انتاج النظام الطبقي الذي يقسّم المجتمع وفقاً لعرقهِ أو لمهنتهِ أو لمنطقته، وهذا التقسيم والتمايز يصنع شرخاً اجتماعياً يصعب فيه توحيد وحشد قوى المجتمع بشكل موحّد وموجّه، ومن هذا الشرخ يستمد الحوثيون جزء من قوتهم المرتكزة على اضعاف المجتمع وتوليد الصراع الطبقي فيه.
ومن أساليب الحوثيين في ضرب المكونات من داخلها استهداف شخصيات اجتماعية مؤثرة سواء في القبائل أو الأحزاب أو المكونات الأخرى تحت مسمى "عِيال عمّنا" واقناعهم بأنهم ضمن الطبقة المميزة اجتماعياً ووصفهم بـ "السادة" ثم مدهم بالمال والسلاح ليقع البعض في هذا الشَرَك ويتحولون إلى أيدى عابثة في أوساط قبائلهم أو أحزابهم أو حيثما يتواجدون ، فتضعف هذه المكونات ، وتتصارع مع شبيهاتها بفعل الغزو الداخلي الحوثي، ويتم تغذية هذا الصراع لتستفيد الجماعة من الضعف الناتج لتقوية مشروعها الطائفي المقيت.
كما عمل الحوثيون على التغلغل منذ وقت مبكر في كثير من المؤسسات والأحزاب والهيئات بشخصيات تؤمن بالمشروع السلالي العنصري لكنهم مارسوا منهج "التقية" موقتاً لإخفاء حقيقتهم، ثم حضروا بقوة داعمين للانقلاب الحوثي في محاولة لإضفاء صفة الشرعية التي يفتقدها الانقلابيون، وتوجهت جهودهم لتمثيل الجهات والأحزاب والمكونات التي تسللوا اليها وصناعة نسخ أخرى مزورة لاتمثل الحقيقة ولا تنتمي إليها ، وهذا بحد ذاته هو جريمة بحق المجتمع المدني ومؤسساته التي يجب أن تستمد قوتها من إحترام الجميع لها ، والحفاظ على وحدتها بعيداً عما تؤمن به أو تعتقده .
يغذي الحوثيون كل بؤرة للصراع ، ويدعمون كل صوت ينادي بالفرقة والاختلاف جاعلين من هذا المنهج أحد أسباب تمكنهم وقوتهم ، وخاصة أنهم لا يمتلكون مصادر قوة ذاتية نظيفة تضمن لهم الاستمرار والبقاء، ويواجهون برفض الشعب لهم كأفراد وكمشروع ، وفي كل جولات الصراع مع اليمنيين منذ أجدادهم الاوائل يستمدون قوتهم من ضعفنا لاغير ، فلذا يلجئون لتغذية هذا الضعف، وكلما تجاوزناه وتجمعت قُوانا كان اسقاط مشروعهم أقرب ، وما ذلك بصعب ولامستحيل على شعب اعتاد على العيش بحرية بعيداً عن أوهام السلالة وهرقطات الطائفة.
ودمتم سالمين.