لم أفقد الأمل في مجلس قيادة الرئاسة الذي بزغت نتائجه في مدينة الرياض، ولو أنني أصبت بالإحباط في بادئ الأمر إزاء تلكؤ عيدروس الزبيدي في قسمه الذي لم يكن مكتملًا، لا نعرف ما كانت غايته من ذلك، أكان يضمر للمجلس أو كان ذلك سيناريو محبوك ليبقي على مؤيديه حتى لا يفقد سندهم ويخسر وزنه بين أقرانه في مجلس قيادة الرئاسة، و مما لا شك فيه أن هذا المجلس وحّد نوعا ما، كلمة المتنازعين في الميدان الطامعون على تقاسم اليمن، وكان يحذونا الأمل بأن يرضخ الحوثي لطاولة المفاوضات وقد حصل بالفعل ولو أنه جاء متأخرًا، ولا شك أن موافقته ليست بسبب التقارب السعودي الإيراني اطلاقًا وإلّا أجحفنا جهود عُمان المضنية.
وبغض النظر عما يُقال من تراهات واهية لا تمثل الحقيقة من أن إيران رضخت أو أن السعودية جثمت على ركبتيها تتوسل، كل ذلك لا أساس له من الصحة، فلا السعودية طلبت من الصين أن تتدخل ولا إيران طلبت ذلك، ولكن التكتلات العالمية السياسية والاقتصادية والعسكرية الجديدة فرضت على الصين أن تبحث عن حلفاء جدد وبالأخص حلفاء يمتلكون عصب الحياة الاقتصادية، إيران والسعودية بما أنهما من أكبر مصدري النفط عالميًا، فكان لزامًا عليها ازالة الخلافات بينهما، حتى تستقوي بهما معًا ضد الحلف الغربي، هذا من جانب
ومن جانب آخر أن السلام بين السعودية والحوثي سيُتوج لا محال من ذلك، و لن يتنازل الحوثي قيد انملة عن صنعاء وعن أماكن سيطرته مالم يكن هناك حوار بناء داخلي مع مجلس قيادة الرئاسة خالٍ من العنجهيات والفوقية ويتوافق مع طموحاته، فالحوثي شئنا أم أبينا هو مكون يمني صنعته سياسات المخلوع العقيمة، وأما عقيدته فله دينه ولنا ديننا، وقد يعود ويتخلى عن عقيدته الهجينة هذه مرة أخرى فالسياسة لا دين لها، وعلى قولة المصريين "اللي تغلبوه العبُه"، فأرض اليمن تتسع لجميع الفئات والطبقات، حتى اليهود من بني جلدتنا لهم حق الرجوع لو أردوا العودة فالباب مفتوحًا لهم. ولو استمر مجلس قيادة الرئاسة في عنجهيته فالكاسب هو الحوثي، ولا سيما أن الحليف القوي سينسحب من اليمن وقد تستمر الفوضى في الجنوب ويزداد الأمر سوءًا، و في هذه الحالة، قد يتم إقناع الناس من قبل أطراف خارجية أخرى تمنحهم الأمل بالبديل الأفضل لرفاهيته بتجنيده ضد الأطماع الداخلية، وهذا ورادٌ، فقد حدث غير ذي مرة عندما اُذيع من قبل دولة خليجية فتحت باب التجنس لتلك المناطق وبغض النظر عن حقيقته، تزاحم الناس لذلك النداء معلنين ولاءهم لها.
فهل سنشهد حوار وطني يمني بين كل مكونات الدولة من جيش ومليشيات وعصابات بشتى أنواعهم يتناقشون على طاولة الحوار تفاديًا من تمزيق اليمن، وحفاظًا على وحدتها، أم سيستمر الغباء والمصالح الشخصية على ماهو عليه، فالشعب اليمني لن ينتظر لمزيد من الويلات والعوز، فأعود أكرر مرة أخرى كما ذَكرتُ سابقًا في إحدى مقالاتي، أن كفت الشعب قد تميل لصالح الحوثي وخاصة أن الوضع في دائرة سيطرته مستقرًا عن غيره من المناطق الأخرى. وقد رأينا بعض الناشطين و رموز إعلامية أصبحوا في جانبه ومن مؤيديه، وليس ذلك أيضًا ببعيد عن الشعب وخصوصًا أنه يبحث عن الاستقرار ولا يهمه من يحكم اليمن سواءً الحوثي أو حتى الشيطان نفسه.
أما الطاعنون في الأنساب في ساحات التواصل الاجتماعي فهؤلاء في مكامن أمنة وتحت مكيفات باردة لا يعانون ما يعانيه الشعب على أرض الواقع، فهؤلاء لن يُلتفت إليهم ولن يعطيهم الشعب بالًا وقد يُطالب بهم أمنيًا إن استقر الوضع. فالحال وصل إلى مفترق الطرق، فإما الوحدة أو ذوبان الجنوب تحت مظلة دولة خليجية وبرغبة الشعب نفسه من خلال صناديق التصويت، أقولها وأنا صادق، فالشعب تأكد من عوار الساسة وأرصدتهم البنكية المتخمة بينما هو يسفُ التراب ولا زال يذوق الأمرين. والحوثي على قدمٍ وساق يقترب من تحقيق حُلمهِ بإعادة أمجاد أجداده التليدة، وقد يحوّل الجمهورية في شطرها الشمالي إلى مملكة وهذا ما تتمناه دول مجلس التعاون حتى يتخلصوا من الحفنة الثائرة مِن الجمهوريين الذين يشكلون تهديدًا لمصالحهم من وجهة نظرهم ضمنيًا وعن تجارب سابقة، فقد انقلب المخلوع عليهم من قبل، ووقوف ضدهم مع صدام نكبة الأمة، تلك الخيانة لازلت لم تُمحى من ذاكرة التاريخ، فهي وسمة عار على الساسة اليمنيين للأسف.
وطاولة المحاورات والمداولات إن تم التوافق عليها لن تتمخض بأفضل مما تمخض به مؤتمر الطائف الذي حدث بين الساسة اللبنانيين، ستكون اليمن دولة محاصصة بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، من سيأخذ ماذا هذا يُعتمد على موازين القوة التي ستُمنح لكل وظيفة من هذه الوظائف الثلاث، وقد يطول الأمد بها لأكثر من سنة حتى يستقر الرأي وتظهر لنا دولة منحصرة في فئات لا نعلم مدى جديتهم في انعاش اليمن وشعبه من نكبته التي كانوا هم السبب الرئيس جميعًا في حدوثها دون استثناء. والله نسأل أن يحفظ اليمن وشعبها المكلوم الذي لن ينسى غباء الساسة وخيانتهم للأمانة.