عادت نظريات المؤامرة، الشك، والتوجس حيال كل ما هو غامض ومعقد بوصفه عملاً يهودياً.
لوحظ، ألمانياً، أن وباء كوفيد ١٩ قد أسهم في إعادة "المؤامرة اليهودية" إلى الخيال الشعبي. وقد سجل ڤيديو بالألمانية، يتهم اليهود بالتخطيط لمؤامرة كوفيد ١٩، حوالي مليار مشاهدة!
كما تقول وزارة الداخلية الألمانية أنها سجلت حوالي ٣٠٠٠ حالة اعتداء على اليهود/ منشآت يهودية، في العام الماضي. ٩٠% منها قام بها اليمين الألماني.
تحاول السلطات الألمانية تصفية إرث ميركل الأخلاقي من خلال تحميل المهاجرين المسلمين المسؤولية عن معاداة السامية. يردد الساسة ما يتناقض كلياً مع بيانات وزارة الداخلية.
بالأمس خرج الرئيس الإسرائيلي ليزف نبأ يقول إن كتاب "كفاحي" لهتلر عثر عليه في غرفة/ حضانة أطفال في شمال غزة. تقوم الصهيونية على الاستعطاف والهمجية في الوقت نفسه. فعندما أعلن عبد الناصر إغلاق مضايق تيران، ١٩٦٧، انتحبت إسرائيل أمام الدنيا معلنة إن المصريين اتخذوا قراراً من شأنه أن يخنق المواطنين الإسرائيليين المسالمين. لن تصل السفن إلى خليج العقبة، وما من وقود، وقد تتوقف المشافي عن العمل عمّا قريب. طلب البيت الأبيض من إسرائيل تزويده بمعلومات عن حركة السفن في خليج العقبة ليتسنى له تحديد حجم الأزمة والتصرف وفقاً لذلك. رفض الإسرائيليون وطلبوا مساندة غير مشروطة. كان ميناء العقبة متواضع القيمة آنذاك، مقارنة بحيفا. وكان النفط الإيراني يصل إلى إسرائيل من أكثر من طريق.
بالعودة إلى كتاب كفاحي:
انتحر هتلر في العام ١٩٤٥م. وبحلول العام ٢٠١٦ تكون ٧٠ عاماً قد انقضت على وفاته، ما يسقط الحقوق المادية للورثة عن إرثهم الثقافي طبقاً للقانون. اتخذ "معهد الدراسات التاريخية" في ميونخ، 2016، قراراً بنشر الكتاب مرفقاً بشروح وتعليقات سيكتبها مؤرخون مرموقون. فعلاً، ظهرت الطبعة الأولى للكتاب وعلى هوامشها ٣٧٠٠ تعليق حول النص الأصلي، بما يتجاوز حجم المتن. اندفع الألمان لشراء الكتاب، وقبل أن ينتهي العام كانت الطبعة السادسة قد رأت النور. بيع من الكتاب ٨٥ ألف نسخة خلال ١٠ أشهر، وكان "البيست سيللر" في تلك السنة. ومن الصعب القول إن الناس اقتنت الكتاب لتقرأ تعليقات المؤرخين عليه.
في صيف العام نفسه أعلنت دار Schlem اليمينية، من لايبتسيغ، أنها ستنشر الكتاب دون تعليقات ليطلع الناس على المتن كما هو. بحسب الدار، آنذاك، فقد تلقت ٥٨ ألف طلب لشراء الكتاب خلال وقت قصير.
لا يتوقف الساسة الأراجوزات عن تهديد مسلمي ألمانيا بعقوبات مغلظة، بما فيها أن يجبروا المتقدم لطلب الجنسية الألمانية على الاعتراف بإسرائيل تحت العلم الألماني. بينما تعيش الحقيقة في مكان آخر، حقيقة "اليهودي في الخيال الشعبي الألماني".
مؤخرًا، في وقت كورونا، طلبت السلطات الألمانية، عبثاً، من تويتر حذف محتوى ألماني مصور يدعو إلى الاعتداء على اليهود. استطاع فيلم "لقد عاد من جديد" أن يكشف هشاشة التسامح الألماني مع اليهودية. ففي صباح ما يفتح هتلر عينيه فيجد نفسه في برلين في القرن الواحد والعشرين. وفي سياق كوميتراجيدي استطاع أن يحشد خلفه كل الأمة الألمانية في سبيل معاركه القديمة، وفي مقدمتها النضال ضد السامية.
لا أدري أي تعاطف أراد رئيس إسرائيل، على ذلك النحو الساذج، أن يحصل عليه. فالأبيض الاعتيادي يدعم المشروع الإسرائيلي من جهة ويرى اليهودية في سياق آخر. أما الحرب العالمية الثانية فقد أتت على القارة بأكملها، ولم تكن مجرد مأساة يهودية. من الممكن أن يحصل الجيش الإسرائيلي على كتاب هتلر في منازل غزة. فنحن نجده في ألمانيا، في منازل الناس وفي المتاجر. وثمة ألمان كثيرون يتهادونه في أيام الكريسمس المجيدة، ونتنياهو يعلم ذلك جيداً. فقد قال ٧٨% من ناخبي اليمين الألماني أنهم لا يرون بلادهم ملزمة بأي شيء حيال دولة إسرائيل.
*من حساب الكاتب على منصة إكس