نوفمبر الاستقلال

2023/11/30 الساعة 05:04 صباحاً

سيبقى طوفان الأقصى علما في التاريخ، و محطة هي أهم المحطات الجهادية في مسيرة الشعب الفلسطيني، و محطة تاريخية من محطات الأمة العربية و الإسلامية. 

 

   هذا ليس كلاما عاطفيا، و يكفي للدلالة على ما نقول الدهشة و الذهول الذي وقفه العالم أمام عملية طوفان الأقصى، حيث وقف المحبون يهللون و يكبرون، و فقد المبغضون اتزانهم و توازنهم، فسلبوا الحصافة،و ضاعت عنهم التصرفات اللائقة. 

 

   إن الحرية،  و العدالة، و نيل الحقوق لا تأتي عفويا، و لا ترجع بالاستجداء، و إنما تعود بالكفاح المر، و الجهاد الشاق بكل طرقه و صوره. 

 

   يوم أمس كانت ذكرى الاستقلال المجيد، ذكرى 30 نوفمبر، التي أتت كنتيجه لكفاح و نضال خاضه اليمنيون منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الإمامة و عززته ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني و كانت نتيجة ذلك الجهاد و الكفاح الاستقلال، و التحرر من الإمامة و الاستعمار.

   فهل كان يمكن التخلص من هذين الطاغوتين الإمامة و الاستعمار بغير الكفاح و النضال؟  كلا، و ألف كلا. 

 

   للأمم، و الشعوب، و المجتمعات محطات و مناسبات، تعد في مسيرتها أيام تاريخية. 

   يوم الهجرة مثلا،كان حدثا تاريخيا أعطى أثره شرقا و غربا ، و يوم فتح مكة، ليس يوما عاديا، و لا كان ذكرى عابرة. و هكذا كان سبتمبر و أكتوبر.. و في تاريخ الشعوب محطات. 

 

  و أمس أطلت علينا مناسبة من هذه المناسبات العظيمة ؛ إنها مناسبة ذكرى يوم الاستقلال المجيد الذي هو يوم ال 30 من نوفمبر.

   إنه يوم تم فيه خروج  آخر  جندي بريطاني من عدن عام 1967.

 

   خرج المستعمر البريطاني بعد احتلال دام 129 سنة، فهل خرج طائعا مختارا ؟ و هل خرج بحوار و مفاوضات ؟

كلا،  و إنما خرج بكفاح مسلح، و جهاد أبي.

   مثله في ذلك مثل تحطيم طاغوت الإمامة الذي حطمه الشعب اليمني يوم ال 26 من شهر سبتمبر 1962.

 

   و الشعب الفلسطيني العظيم يناضل و يجاهد منذ أكثر من 75 سنة، و المجتع الدولي يمنيه، و الصهاينة يستقوون بالحلفاء الاستعماريين، فمضى يشق طريقه نحو حريته لنيل حقوقه بالجهاد و النضال. 

 

   و تأتي ذكرى الاستقلال،  لتخبرنا بأن تحقيق الأهداف يصنعها رجال أوفياء، لا يهادنون، ولا يساومون، و شعب أبي يرفض الضيم و يقاوم الظلم و الاستبداد و الاستعمار، و هو ما سار عليه الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني الغاشم، بعزيمة و إصرار و فداء، و لم يكن غريبا أن شعار الكفاح المسلح ضد الاستعمار ، كان قوله تعالى : (  من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ).

 

   لقد كانت ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، ثمرة طبيعية لثورة 26 سبتمبر في الشمال، و كان يوم الاستقلال مُحصّلة طبيعية للثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر. 

   و لقد استمر الكفاح أربع سنوات ضد أعتى نظام استعماري عرفه العالم، حيث كان يطلق على بريطانيا الدولة التي لا تغيب عنها الشمس؛ و ذلك لكثرة مستعمراتها.

 

   خرج الاستعمار البريطاني من عدن، و من الجنوب كافة، لكنه لم يخرج تكرما منه، أو طواعية من لديه، و لكنه خرج بمقاومة و كفاح، و فدائية و دماء :

 

        تريدين إدراك المعـــــالي رخيصة 

        و لا بد دون الشهد من إبر النحل

 

   إن سمو الغايات تبذل لها المُهج،و كل وسائل التضحيات.

 

   نعم .. إن السلام هو الأصل،  و لكن هل العالم،  و المجتمع الدولي  الذي يرفع شعار السلام بالكلام، هل قدم للفلسطينيين شيئا يذكر طوال الخمسة و السبعين سنة؟

 ابدا..  لم يقدم لهم غير الوعود و تركهم للآلام.. و من حق الفلسطينيين، و من ورائهم كل العرب و المسلمين أن يحرروا فلسطين، و لئن تخلف العرب و المسلمون كأنظمة حاكمة عن نصرتهم، فإن الفلسطينيين قد اعتمدوا بعد اللـه على أنفسهم، و يبقى واجب الشعــــوب العربيــــــة و الإسلاميــــــــة دعمهم و مساندتهم بكل السبل. 

 

 هل خرج الاستعمار الإيطالي من ليبيا بحوار ؟ كلا . و هل خرج الاستعمار الفرنسي من الجزائر بحوار؟ لقد استشهد في يوم واحد بمظاهرة واحدة خرج فيها الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي ثلاثون ألف شهيد .. ثلاثون ألف شهيد في يوم واحد. 

 

      لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

      حتى يـــراق على جوانبه الــدمُ

 

   30 نوفمبر، جاء حصادا لنضـــــــال مرير ، و كفــــاح طويل و مقاومة باسلة أبية، لا يأتيها التردد ، من يمين،  و لا يجيها التهاون و التراخي من شمال .

   و ما أكثر ما يستهدف المقاومة و المقاومــــــين، بالتخذيل، و الإرجاف، و الإشاعات، من قبل المستعمر أحيانا، و عن طريق عملائه و أدواته حينا آخر ، و ذوو المصالح الذاتية، و الأنانيـة و الجبناء يفعلون الشيئ ذاته، و لا يخلو منهم زمان أو مكان.

 

   لقد استنفرت ثورة 14 أكتوبر كل الطاقات و الإمكانات لمواجهة الاستعمار،  فكان تحقيق  الاستقلال، و من يريد أن يحقق أهدافه ضد الطغاة و مشاريع الضلال و الظلام كما هو مطلوب اليوم ضد الصهاينة، و ضد الكهنوت الحوثي. فلا بد من النفير و الاستنفار و حشـــــــد كل الطاقـــــــات للمواجهة و المقاومة ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعملون ).

 

   إن على العرب و المسلمين تحمل مسؤوليتهم الأخوية تجاه الفلسطينيين الذين يقفون اليوم في المواقع المتقدمة للدفاع عن احياض الأمة العربية والإسلامية.

   إنه التاريخ يسجل المواقف، فلينظر كل عــــــــربي حاكم أو محكوم إلى مواقفه، و ما رصيده، و تاريخه !؟