جعجعةُ إمارةٍ وطحينُ مقاومةٍ:

2024/01/03 الساعة 03:00 صباحاً

 


كعادتها دَشَّنَتْ إمارةُ دُبَي حفلةَ رأسِ السنةِ الميلاديةِ، ولهذا الحدثِ التاريخي تمَّ إطلاقُ 15,682 عنصراً من الألعابِ الناريةِ بتقنيةٍ حاسوبيةٍ متطورةٍ، ومعه تُقَدِمُ نافورةُ دبي عرضاً راقصاً متناغما مبهرا، وعلى واجهةِ برجِ خليفةَ يتوالى العرضُ الفني البصري. ولتغطيةِ وتأمينِ دقائقَ معدودةٍ يتواجدُ 6000 عنصرٍ من عناصرِ الأمنِ، و1328 دوريةً، وعشراتُ الفِرَقِ الفنيةِ والتقنيةِ. وَقِيلَ أنَّها قد أبهرتِ العالَمَ بعرضٍ أسطوري تهافَتَ لمشاهدته الزوارُ داخليا، والسياحُ من بلدانِ العالَمِ، وتابَعَهُ الملايينُ عبرَ البثِ الفضائي. وأَقُولُ! أتُرِيدُون أن تعرفوا ما أذهلَ العَالَمَ وأجْبَرَهُم على متابعتِهِ؟.
- أبْهَرَ العالَمَ السابعُ من أكتوبر 2023، وهو يصحو على ملحمةٍ ستكونُ غدا مَرْجعا بحثيا ومُقَرَرا دراسيا في أرقى كلياتِ العالمِ العسكريةِ. يومٌ سيظلُ راسخا في ذاكرةِ الأُممِ جيلا بعد جيلٍ، مُبَرْهِنا على أهميةِ حُسنِ إعدادِ القوةِ الشاملةِ في كل مجالٍ وتخصصٍ بشري، وكل تخطيطٍ وتدريبٍ وتأهيلٍ عسكري ونفسي وعقائدي. ولم تُذهِلِ العالَمَ تلك الليلةُ التي خلفت دخانا وضجيجا دونَ أثرٍ يُذْكَرُ في تاريخِ الأُمَّةِ، اليومَ أو غدا.
- أبهرَ العالمَ صواريخُ المقاومةِ تُزَيِّنُ بالرعبِ سماءَ تل أبيب وتكسو أرضَها بالثبورِ، وتدفَعُ سكانَها للملاجئ أو للهجرةِ منها، صواريخُ ناريةٌ تَشُقُ عنانَ الفضاءِ بجناحي"اللهُ أكبرُ وللهِ الحَمْدُ". ولم تُبهِر العالَمَ صواريخُ ألعابٍ ناريةٍ تتمايلُ بِغُنجٍ، وتتحول دخانا ضارا لا يُسْمِنُ مِنْ جُوعٍ وما يُغني مِنْ عَوَزٍ. 
- أبهرتِ العالَمَ قذائفُ الياسين، تَحْرِقُ الميركافا وتُفَجرُ العرباتِ المُعَادِيةَ، مُوثَقَةً بالصورِ الحيةِ، لتؤكِدَ ما بلغته فِرَقُ المقاومةِ من عُلُو كعبٍ عسكري، وتأهيلٍ وتفوقٍ قتالي، وتطورٍ وإبداعٍ هندسي وصناعي. وليسَ الإبهارُ ناجما عن الفرقِ الفنيةِ والتقنيةِ التي أشرفت على بهرجةِ رأسِ السنةِ، ولا من النقلِ الحي لِمُتَابَعةِ أحداثِ ليلةِ حَرقِ الطَمَاشِ. 
- أبهرَ العالَمَ صمودُ شعبٍ أمامَ هولِ ما يجتاحَهُ من قصفٍ ودمارٍ وقتلٍ وحصارٍ. شعبٌ مُحتَسِبٌ صبَّارٌ حامدٌ شَكَّار، يرددُ بيقينٍ على أنقاضِ منزلِه " الحمد لله". يتحسسُ بحنانٍ وَجْهَ ابنته الشهيدةِ بلحيته الكثةِ "ياروح الروح". يودعُ أهلَه شُهداءً، وينبهُ غيرَهُ ممن يبكون "ليش عم تبكي يا زلمة". وفوق جثةِ ولدِه يرددُ ثابتا "ماعليش". وليس ما أبهرَ العالمَ ذلك القطيعُ الذي أقبلَ فُرادى وزرافاتٍ لمشاهدةِ لحظةٍ عابرةٍ، مرددين كلماتِ إعجابٍ جوفاءَ وصيحاتِ فرحٍ بكماءَ، ثُمَّ ولوا عنها ناكسي رؤوسِهم مدبرين. 
- أبْهَرَ العالمَ صيحةُ "ولعت"، فتطمئنُ مع احتراقِ الميركافا قلوبُ أمةٍ مسلمةٍ، وتشفى مع تَفَجُرِ المدرعاتِ صدورُ قومٍ مؤمنين. ولم تُبهِرِ العالمَ صيحةُ الشهيقِ والزفير من متابعي حفلةِ دبي، ولا دويُ تصفيرِهم وضجيجُ تصفيقِهم. 
- أبهَرَ العالمَ أبو عبيدةَ، وهم على أحَرِ من الجمرِ في انتظارِ ظهورِهِ، لينطقَ بما يُرِيحُ النفسَ ويزيحُ اليأسَ، من مآثرِ النصرِ والبأس. ولم تُبْهِرِ العالَمَ جموعُ المنتظرين طوالَ ساعاتٍ لمتابعةِ فنياتِ بُرْجِ خليفةَ، وبهرجاتِ الألعابِ المختلفةِ.
- أبهرَ العالَمَ سِفْرُ ملحمةٍ بطوليةٍ، خطتها سواعدُ الرجالِ وعظامُ الجرحى، بِعَرَقِ الأبطالِ ودماءِ الشهداءِ. هذا حقا ما أذهلَ العالَمَ.. حدثٌ أسطوري حقيقي سَيُخَلِدُهُ التاريخُ قرونا مديدةً، وليس لهوا يطوِيَهُ النسيانُ بعد ثوانٍ من نهايتِه.
أبو الحسنين محسن معيض