هكذا سمى الأحرار اليمنيون اليمن في العهد المتوكلي، وتظل هي اليمن المنكوبة والمنهوبة حتى اليوم، ليس فقط من الغازي أو المحتل، وإنما من أبنائها أيضًا؛ وأقصد الحكام والنافذين، ومن الكوارث الطبيعية. المفارقة الراعبة أن الأمطار التي هي مصدر الحياة والخير والازدهار ومعاش الناس والحيوان، وهي المورد الوحيد للقرى والأرياف- واليمن جلها قرى وأرياف حتى مدنها حسبها ونسبها في الريف؛ فمدنها قرى كبيرة، وتعيش هي الأخرى على الزراعة المعتمدة على الأمطار المورد الأهم.
هناك تفاوت لا شك في الظلم الواقع والغبن التاريخي، ومعاناة المواطنين. جل وأهم وأعظم وديان اليمن في تهامة وحضرموت؛ وهذه المناطق الشاسعة من اليمن لا مورد لها ولا رزق غير البحر والوادي. فالبحر في تهامة مغلق بسبب الحصار، والمطر والسيل مصدر الحياة والازدهار والعيش الكفاف، وفي حالة حصوله المنتظر بصبح كوارث ومآسي تبدأ ولا تنتهي بسبب الفقر، وانعدام الصيانة، وهشاشة العشش المبنية من القش، والمباني المتواضعة.
تهدم الأمطار المساكن الهشة البناء، وتجرف السيول التربة، والقرى الجائعة، والمواشي، وتغيب السلطات التي لا وظيفة لها غير نهب المحاصيل، وفرض الضرائب، والتفنن في التنكيل بالرعية الذين يعاملون كأقنان وعبيد.
المواطن في تهامة لا يعرف في السلطات المتعاقبة غير السلب والنهب والتسلط والقمع. تهامة المنكوبة المنهوبة الآن في هطول الأمطار وتدفق السيول تعيش أضرار ومخاطر الأمطار والسيول.
يتحول مصدر الحياة إلى موت الإنسان، ونفوق الحيوان، ولا ينتظر الفلاح الخير أو الرحمة من مسئوليه الظلمة. ربما لا تكون دعوتهم للرحمة أو العون مفيدًا؛ فجوع أبناء تهامة مصدر شبعهم، وفقرهم مصدر رفاههم، وخوف الناس مصدر الطمأنينة والأمن لهؤلاء المتسلطين الذين لا يجمع بينهم وبين أبناء شعبهم غير التجبر والسلب والحرب.