استدعت نيابة الصحافة الزميل الصحفي الناقد للواقع محمد الحريبي، وكان لابد من التضامن معه في محنته، على اعتبار أنها محنتنا جميعا، وخاصة ممن اختار مهنة المتاعب( نقد الواقع) ، وواقعنا اليوم المتأزم بحاجة لنقد يفكك تلك الأزمات ، ليعيد تصحيح المسار، نحو ترسيخ العدالة، وهو المبدأ والركن الأساسي للقضية الجنوبية، وللأسف تفقد كل يوم شيئا من عدالتها، هذا الفقدان يفقدها أسس نشأتها، وإن فقدت تلك الأسس تفقد روافدها، ولا قيمة لقضية دون رافد إنساني وقيمي وأخلاقي.
ذهبنا في الموعد، وتفاجئنا أن زملاء آخرون واجهوا نفس التهم، في منشورات نقد للظواهر المسيئة للواقع ، لم تر النيابة تلك الإساءة بقد رؤيتها للصحفي الناقد كمسيء للشخصيات التي انتقدها، وفي ظل سلطتهم وهيمنتهم، يجدون من يحفظ لهم مشاعرهم ليستمروا في إساءتهم للواقع، في زمن يعاني فيه العقل النقدي والهادف للتصحيح.
في زمن استعلاء المسيئين، الناقد متهم بالغموض والتباهي بالمصطلحات، والتشهير بالقيادة والقائد، بالإدارة والمدير، في واقع ملطخ ببصمات تلك القيادة والإدارة ، وهو يحاول تطهير الواقع بمحو تلك البصمات السيئة، في صراع لتجربة نقدية أسست لتغيير بزغت من خلاله تلك القيادة التي تتباهى أنها ولدت من رحم الانتفاضات الجماهيرية الغاضبة من إساءة استخدام السلطة وفقدان عدالة توزيع الفرص والثروة، ولكنها تلطخت برداءة الواقع ، وفقدت القدرة على تغييره.
ويكفي ذلك دافعا للصحفي الناقد أن يعيد استنهاض فكرة التغيير، واستنهاض فكرة الدولة العادلة والمواطنة والحريات والمساواة وإعادة روح النظام والقانون.
ما استدعي من أجله الصحفيين والنقاد، هي منشورات تنقد ظواهر خطيرة، وجرائم استخدام السلطة والعبث بالمال العام، بل استخدام القوة المسلحة للدولة في إذلال لكرامة المواطنة وهدر الحقوق الخاصة والعامة.
وهل تعلم السلطة القضائية، أن الصحافة الاستقصائية والنقد هي عينها في رؤية ما يخل بالعدالة، ويهدر بالحقوق، ويفترض منها أن ترى بعين النظر لمحتوى النقد، والتحري من حقيقة المعلومات، والتوجيه لتحقيق في تلك المعلومات، ومتى ما ثبت أنها غير صحيحة، يستدعى أصحابها لإثبات وقائعها، لكن الملاحظ هو العكس يستدعي الناقد كمتهم، وينظر للمنشور كمحتوى تشهير، وتتحول ادوات العدالة لخصم للناقد، بأساليب الاستدعاء والتنمر، مع أننا نعذر تلك الأدوات في ظل سلطة تجبر العسكر، ولكننا لا يمكن أن نعذر مبدأ تنفيذ القانون على الضعيف فقط، لحماية القوي المتجبر.
أي سلطة فاسدة ومستبدة، يرعبها النقد ويهدد وجودها، وتستخدم سلطتها في تسخير النظم والقوانين الكفيلة بتكميم الأفواه والتهديد والتلويح بتقييد الحريات، وهذا ما يثير الناس لمزيد من الدفاع عن حقهم في النقد، حقهم في المشاركة في المسار السياسي من خلال نقده وتصحيح اعوجاجه، حق قد يصل إلى ثورة عارمة، وانتفاضة شعبية لن تتوقف حتى تحقق مبتغاها، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
*المقال خاص بالمهرية نت *