من النهاية ، لن يستقيم حال اليمن بسلطة مغتصبة من قبيلة أو طائفة أو منطقة أو جماعة أو عائلة أو قائد مهما بلغت سطوته ونفوذه .
كما ولن يتوحد اليمنيين أو يقيموا دولة عادلة في ظل هيمنة جماعة مذهبية سلالية تدعي أحقيتها الدينية السماوية في حكم اليمن واليمنيين ، أو بوجود سواها من الجماعات القبلية أو المناطقية المسيطرة الان بحكم سلطة الأمر الواقع ، وهذه مسألة بديهية لا تقبل أي نقاش أو خلاف حولها .
كثير من الجنوبيين يسألونني أو يعلقون على ما أكتبه قائلين : مع من سنتوحد ثانية ؟ يحرروا محافظات الشمال اولًا من الجماعة الحوثية وبعد ذلك يمكن للجنوبيين مناقشة الحالة اليمنية " .
ما شجعني لكتابة هذه السطور هو أنني لأحظت تعليقات كان أصحابها يرفضون مجرد الحديث عن التوحد السياسي ، أصواتًا بالغت في غلوها لفكرة استعادة الدولة الجنوبية ، والان اراها قابلة بفكرة الدولة اليمنية المركبة .
وعندما ندعو لإعادة الإعتبار للتوحد فذاك لا يعني بحال من الأحوال تكرار أخطاء وكوارث جمهورية صالح ، وإنما يجب التوافق على صيغة مختلفة كليًا عن نموذج الدولة التي سادت زمنًا وتسبب نظامها القبلي العسكري الجهوي في تشويه أهم منجز سياسي تاريخي .
المهم والأساس أن هذه الدولة تؤسس لشراكة حقيقية في السلطة والثروة والقوة ، فهذه المسميات أعدها سببًا رئيسًا في تخلف اليمن واليمنيين ، جنوبًا وشمالاً ، ودون توزيعها وبشكل أفقي عادل يرضي كافة الشرائح والمكونات المجتمعية ، ستظل بؤرة منتجة لصراعات محلية داخلية .
وأيًا كانت التعقيدات والمشكلات لابد من حلول مرضية يتوافق عليها الساسة ، ينبغي أن يضع اعتبار المصلحة الجمعية فوق أي معيار اخر ، كي لا يتكرر سيناريو التوحد العاطفي المتسرع الذي قاد الجميع إلى هذه الوضعية .
نعم على الجنوبيين أن يمدوا أيديهم لكل الشركاء السياسيين المؤمنين بحتمية استعادة وهج الثورتين والجمهوريتين ، ولنكن واضحين مع شركائنا الوطنيين في الشمال الذين يعنيهم مستقبل الدولة اليمنية الحديثة المنشودة والقابلة بالاستدامة والنهضة .
ليس هناك ثمة خصومة أو عداء مع أحد ، فحتَّى احمد وطارق واتباعهم من حُرَّاس الجمهورية المحتفين الان برفع العقوبات عن صالح ونجله من مجلس الأمن ، يجب أن تكون الأمور معهم شفافة وواضحة .
فلابد أن يدركوا أن جمهورية صالح أنتهت وأن أي شراكة سياسية معهم ستكون في جمهورية اتحادية ، بما تعني من قيم ومبادئ عادلة يتشارك بها كافة اليمنيين .
وإذا ما بقي هؤلاء على ذات النمط الرافض لقيام الدولة الإتحادية ، وهو الرفض الذي أفضى إلى تسليم صنعاء وجيشها وترسانتها ومؤسساتها لجماعة سلالية عنصرية ؛ فإن القوى الوطنية مجتمعة يجب أن تنفض يدها عنهم ولا تعتد بهم كقوة وطنية غايتها الجمهورية .
ففي هذه الحالة هم لا يختلفون عن جماعة الحوثيين ، فكلاهما يدعي أحقيته بالسلطة ، وإن اختلفوا في الباعث الديني السلالي أو القبلي الوراثي .
والأمر ينطبق جنوبًا ، فلا يمكن الحديث عن دولة اتحادية عادلة دونما تسوية سياسية تمهد الطريق لهذا التحول التاريخي ، فمثلما نطلب أن نكون واضحين وشفافين مع القوى الوطنية في الشمال ، ينبغي أن نتحلى بالصدق والجرأة مع كافة الفرقاء الجنوبيين .
هذه التسوية السياسية يجب تفضي لموضع قوي وصلب عند أي توافق سياسي حول الدولة اليمنية المستقبلية ، فليس من المعقول أو المقبول أن نطالب الآخرين باستعادة بوصلة جمهورية سبتمبر واستلهام أهدافها وقيمها الوطنية العادلة ، بينما نحن يستلزمنا استعادة روح ثورة أكتوبر وجمهورية نوفمبر .
فقيم الثورة والاستقلال تكاد أن تكون غائبة أو مغيبة نتيجة لما ساد واستوطن في ذهن وممارسة الكثير من الجنوبيين الذين تم تضليلهم بأفكار خادعة نائلة من الثورة والجمهورية . كما وتم جرُّهم إلى مساحة ليس لائقة بهم أو بنضالهم وتضحياتهم الوطنية العادلة .
هذه الكيانات في المخأ أو عدن أو مأرب أو حضرموت أو المهرة أو أبين أو الضالع أو سواها ، كيانات ماضوية تتساوى في افقها الضيق وفي غايتها الماضوية .
إنَّها أقل بكثير من مساحة وشعب اليمن ، الأثنان أكبر من كل هذه الكيانات الضائقة بالجمهورية والدولة والثورة والشراكة والتغيير والمواطنة وووالخ .
وما لم تتحلى هذه المسميات بالشجاعة وتعيد النظر في كل شيء تقوم به ؛ فإنه ولابد من تحالفات سياسية وطنية بديلة تمثل قيم ومبادئ الدولة الوطنية الجامعة لشتات هذه الكيانات المختلفة والمتناقضة مع بعضها البعض فكرة وممارسة وغاية .
نعم ، يتوجب من القوى الوطنية مغادرة صمتها وان تتحرر من خوفها ، فلابد من بناء تحالفات سياسية جديدة ، ومن خلالها فقط يمكن خلق فضاءات ورؤى وقادة وكيانات ضاغطة وفاعلة في الساحة اليمنية التي تعاني الان من انسداد أفق ، وتوقف سياسي مخيف نتيجة لسطوة الكيانات العسكرية ، وغياب الحامل السياسي المعبر عن المرحلة الحالية والقابلة .
خلاصة الكلام الواقع المشاهد غلبه منطق سلطة القوة والكتائب والجبهات وغابت فيها السياسة ، بما تعني من خيارات وبدائل ورؤى وأدوات سياسية ، فدون حامل سياسي واحد يمكنه ردم وهاد المسافة الفاصلة الهوة بين ما هو سياسي وما هو عسكري يستحيل هزيمة الحوثيين وإجبارهم على الانصياع لسلطة الدولة .
فكل الكيانات الموجودة في الساحة اليوم بمقدورها خوض معارك عسكرية ثانوية هنا أو هناك ، لكنها جميعا بمسيس الحاجة لمسار سياسي واضح المعالم .
وهذا المسار لن يكون بغير رؤية سياسية وطنية وشاملة ، وبقيادة واحدة قادرة على إدارة المرحلة الراهنة واستنهاض الهمم والطاقات الخاملة أو المعطلة ، وبما يخلق فضاءات جديدة تفضي لعملية انتقال سياسي يؤسس لحقبة تاريخية جديرة بالثقة والأمان ..
محمد علي محسن