نعيش هذه الأيام الذكرى الثالثة والعشرين لتأسيس حزب العدالة والتنمية. وتم عقد اجتماع في المقر العام للحزب، حيث ألقى رئيس الحزب، رجب طيب أردوغان، خطابًا تقييميًا. كان هذا الاجتماع أيضًا مناسبة سنوية لمراجعة الحسابات للأعوام الماضية.
تأسس حزب العدالة والتنمية في عام 1997، خلال فترة شهدت بكل غطرستها وتعاليها وهجومها انقلاب 28 فبراير/شباط ضد حكومة أربكان. تم تأسيس الحزب في وقت كان فيه الانقلابيون يتباهون علنًا بأن هذا الانقلاب ليس حدثًا ليوم واحد بل هو عملية ستستمرّ لألف عام.
في الواقع، جاء تأسيس حزب العدالة والتنمية بعد إغلاق حزب الفضيلة الذي أُسّس بعد حلّ حزب الرفاه نتيجة لهذا الانقلاب. وكان مؤسس الحزب، رجب طيب أردوغان، ممنوعًا من العمل السياسي؛ بسبب إدانته نتيجة قصيدة ألقاها، مما جعله محرومًا من العمل السياسي. لذلك، كان هناك اعتقاد سائد بأن حزب العدالة والتنمية، الذي تأسس بعد حلّ حزب الفضيلة، لن يدوم طويلًا؛ بسبب التهديدات المستمرة لانقلاب 28 فبراير/شباط.
اليوم، أصبح من الممكن قراءة هذه الأحداث كجزء من التاريخ بعد مرور وقت طويل عليها. لقد مرت 23 عامًا منذ تأسيس الحزب، فترة طويلة لدرجة أن أولئك الذين وُلدوا في السنة التي تأسس فيها الحزب، وحتى الذين ولدوا في السنة التي وصل فيها إلى السلطة، بلغوا سن التصويت قبل ثلاث سنوات. هؤلاء الشباب لا يتذكرون تلك الأحداث، ومع التغير السريع الذي شهدته البلاد، مرت 23 عامًا بسرعة فائقة.
النظام الانقلابي الذي كان سائدًا في فترة تأسيس الحزب كان في الواقع محاولة لاستعادة السلطة من نظام سلطوي علماني استمر لمدة 80 عامًا. كانت هذه محاولة يائسة من النظام القديم لإعادة إنتاج نفسه، أو حتى البقاء على قيد الحياة في وجه التغيرات الاجتماعية. كانت الغطرسة المتمثلة في شعار "من أجل الشعب رغمًا عن الشعب" تحتوي على جهل كبير وتعصب أيديولوجي. كان البلد الذي يُدار بهذا التعصب الأيديولوجي يعاني من أزمة أيديولوجية وسياسية واجتماعية وإدارية عميقة. لم يكن بيد أولئك الذين جعلوا من الانقلابات عادةً أيديولوجية سوى تقديم الفساد وسوء الإدارة والظلم والقيود كحلول للمشاكل.
وفر الوضع الأزموي الذي كان يعيشه البلد فرصة كبيرة لبروز حزب العدالة والتنمية. الشخصيات التي أسست الحزب تميزت بقدرتها على تقديم قيادة جديدة، وتحفيز أيديولوجي ومشاريع للخروج من هذه الأزمة. الشعب الذي كان يعاني من تعصب الانقلابيين وإدارتهم الفاشلة، رأى في هذا الفريق الجديد فرصة لتمثيله بوضوح، وقام بإيصال حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بمفرده بعد 15 شهرًا فقط من تأسيسه.
وجد حزب العدالة والتنمية حلولًا قوية جدًا للأزمة التي كانت تعاني منها البلاد، وعرضها بشكل أقنع الشعب التركي بتجديد ثقته في الحزب في كل الانتخابات المتعاقبة. إلى درجة أن الشعب منحه صلاحيات وسلطات ومدة لم ينلها أي حزب آخر في تاريخ الديمقراطية. في البداية، بدا أن حزب العدالة والتنمية هو المعارضة داخل السلطة، حيث نفذ أنجح وأقوى الإصلاحات والمشاريع في تاريخ البلاد رغم النخبة الحاكمة والدولة العميقة.
كان البعد عن النخبة الحاكمة والتوترات معها، يجعل حزب العدالة والتنمية وفريقه أقرب إلى الشعب. وبهذه الطريقة، تم تجديد البلاد من الألف إلى الياء سواء في مجال التنمية أو في علاقة الدولة بالشعب. تم إنجاز أعمال كبيرة في مجالات: الصحة، الإسكان، النقل، التعليم، التمدن، الصناعات الدفاعية والإنتاج. هذه الأنظمة غيرت بالكامل مناخ البلاد، وجوهًا، وعادات حياتية. في الواقع، تركيا اليوم مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة.
ومع ذلك، فإن طول فترة الحكم التي استمرّت 23 عامًا تشكل في الوقت نفسه واحدة من أكبر نقاط ضعف حزب العدالة والتنمية اليوم. خلال هذه الفترة، شهدت تركيا الكثير من الأمور، سواء كانت إيجابية أو سلبية، جيدة أو سيئة. كل هذه الأمور كانت بمثابة اختبارات لحزب العدالة والتنمية. تمكن الحزب من تجاوز بعض هذه الاختبارات بنجاح، في حين أثرت بعض الاختبارات الأخرى على الحزب وأضعفته.
وفرت الانتخابات القليلة الماضية معلومات كافية حول مدى تأثر حزب العدالة والتنمية بطول فترة حكمه. ففي عام 2019، خسر الحزب البلديات الكبرى في إسطنبول وأنقرة بعد 25 عامًا من إدارتها. وفي الانتخابات المحلية لعام 2024، احتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الثانية لأول مرة منذ تأسيسه في جميع الانتخابات التي خاضها. هذا الوضع الجديد هو الأول من نوعه الذي يواجهه الحزب منذ 23 عامًا.
تحدث زعيم الحزب المؤسس ورئيسه رجب طيب أردوغان بشكل مفصل عن أسباب هذه الخسائر خلال تقييمه لنتائج الانتخابات الأخيرة. في الواقع، كُشف جزء كبير من التشخيص، ولكن لم يتم بعد تنفيذ برنامج علاجي. اليوم، يقف حزب العدالة والتنمية عند مفترق طرق خطير. السؤال هو: هل سيتمكن الحزب الذي نفذ إصلاحات ثورية في جميع المجالات من إظهار الإرادة أو الكفاءة اللازمة لقيادة البلاد نحو المستقبل وفقًا لفلسفته الخاصة أم لا؟ إذا كان الحزب قادرًا على إظهار هذه الإرادة، فيجب عليه تشخيص نقاط ضعفه الحالية بلا تردد والبدء في علاجها بشجاعة.
اليوم، العديد من الأزمات التي كانت موجودة في البلاد قبل 23 عامًا عندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة قد تكررت وتفاقمت في ظل ظروف جديدة، وأصبحت أكبر مشاكل تواجه الحزب.
يبقى السؤال المهم هو مدى التزام حزب العدالة والتنمية بجذوره التي نشأ منها وهدفه التاريخي، وإلى أي مدى يتمتع القادة الحاليون في الحزب، باستثناء أردوغان، بالفهم والنية اللازمة لتحمل هذه المهمة.