الدكتور مروان الغفوري
تركت مصر كل ما حولها ينهار: ليبيا، السودان، غزة، باب المندب، تونس، وغيرها. كأنها بلاد بلا أي تعريف للأمن القومي.
فجأة بات ما يجري في سوريا تهديدا وجودياً لمصر. دون سابق إنذار وقفت مصر على الأسوار ونظرت فرأت البرابرة والأعداء!
وكان كل شيء قبل ذلك على ما يرام.
بالأمس تعهد "التعاون الخليجي" بالوقوف إلى جانب سوريا الجديدة. بالنسبة لبلد مهم كالسعودية فما جرى في سوريا يمثل نصراً استراتيجياً، بل تاريخياً. انكسر محور "الجهادية الإمامية"، وتفككت عراه. وكانت السعودية قد وقعت بين فكي كماشة تمتد من صنعاء إلى بغداد. مشهد النيران وهي تشب في أرامكو قدم صورة مروعة عن المأزق الوجودي السعودي، ليس أقلّه حقيقة أن الضربة التي تبناها الحوثي قدمت في الأصل من العراق ( راجعوا ما نشرته الصحافة الأميركية حول المسألة).
في لقاء قديم استمر أربع ساعات تحدث حسن نصر الله عن أهمية سوريا بالنسبة للمحور، واصفاً إياها بمعركة الوجود، مشيراً إلى "كارثية" خسارة تلك المعركة، وآثارها المدمرة على (وجود) المحور.
حلت إذن الكارثة بإيران، ولا جدال حول هذا الأمر.
ومن سوء طالع الملالي إن قائدي معركة سوري (سليماني/ نصر الله) باتا في عداد الموتى.
تفهم السعودية جيداً ما جرى في سوريا ومن الواضح إدأنها ستفعل كل ما بوسعها للاستثمار في تلك "الكارثة الإيرانية" بما يحقق تعريفها لأمنها القومي، وبما يجعل النصر نهائياً وحاسماً. ألمح الشرع إلى تأمين الخليج لنصف قرن!
مصر، على الجانب الآخر، تختزل مسألة الأمن القومي في الشأن الداخلي. خارجياً هي بلا أوراق، أو بأوراق كلها مكشوفة كما لاحظ صاحب كتاب "مصر من الداخل" قبل عقد ونصف من الزمن.
في السودان متمردون يهددون دولة عربية جارة وحليفة لمصر، في ليبيا جنرالات انفصاليون يهددون سلامة التراب الليبي ويقسمون ليبيا على نحو يضر بالأمن القومي المصري، وفي اليمن عصابة جهادية شردت الملايين وأضرت بأمن قناة السويس وبالاقتصاد المصري، وفي غزة ارتكبت إسرائيل هولوكوست على الهواء وزعزعت كل مفهوم ممكن للأمن القومي المصري ..
كل ذلك التهديد الحقيقي (ولا ننسى اليمين الإسرائيلي الذي سيهيمن على الدولة لعقود قادمة مزودا بمائتي رأس نووية) لم تأخذه مصر على محمل الجد.
بدلا عن ذلك اختار الإعلام الموجه معركته في البقعة "الأكثر طهارة"، إذا ما قيمنا النصر بحجم الألم الذي أزاله وبالعواقب المرتجاة على الأمن القومي العربي/ والخليجي على وجه الخصوص.
قال الشرع لقناة سعودية إن الثورة انتهت، وجاء وقت الدولة. وفي مصر غضب منفلت، لا هو غضب استراتيجي ولا حتى انفعال واعي ومدرك.
نامت مصر دون كل المخاطر المحيطة بها، ثم أفاقت فجأة لتبدو منفصلة عن كل الحقائق.
اركزوا شوية.
يرتجى من مصر الكثير، وهي قادرة على الكثير، وما يقوله إعلامها الراهن مخجل للمصريين قبل سواهم..
م.غ