وقع المحظور وانطلقت شرارة الحرب الأهلية، وقتل المصريون مصريين آخرين حتى غرق الفضاء المصري في بحر من الدم، ولايزال الوقت مبكرا لمعرفة عدد الضحايا ولكننا رأينا جثث العشرات منهم على الارض وشاهدنا صور من تفحم منهم، وما نعرفه ان يوم امس الاربعاء 14 اغسطس كان يوما اسود في تاريخ المصريين، ما نعرفه أيضا انه عندما تسيل الدماء بين ابناء الوطن الواحد فإن ذلك لا يعنى فقط ان الرشد غاب بينهم، وانما يعنى ايضا ان الوطن صار على شفا هاوية لا ترى ابعادها لكنه يغدو راكضا على طريق الندامة.
لقد حقق دعاة الشيطنة مرادهم، فجرت محاولة فض الاعتصام بالرشاشات والمدرعات والقناصة خصوصا اولئك الذين أقروا بأن دماء المصريين حرام حقا لكنهم استثنوا اولئك النفر من المصريين المتشيطنين، اذ قالوا صراحة ان دماءهم ملوثة ونجسه ومن ثم فلا حرمة ولا كرامة لهم. وانفضحت الكذبة التي روجوا لها في حملة الشيطان حين ادعوا ان اولئك «الارهابيين» يخزنون السلاح ولديهم رشاشات وصواريخ واسلحة كيماوية وحين تمت الغارة عليهم فإنهم استقبلوا الرصاصات التي استهدفتهم بالطوب والحجارة تارة وبالجهر بالدعاء الى الله ان يخفف عنهم البلاء الذي نزل.
اسمع من يقول ان المعتصمين تم تحذيرهم وان ثمة تفويضا لفض الاعتصام بدأ بوزارة الدفاع وانتهى بوزير الداخلية مرورا برئاسة الحكومة، وان الجهة التي كلفت بالفض لم يكن امامها خيار اخر، لكنني قلت ان فض الاعتصام بالقوة يعنى فشل السياسة والسياسيين، كما انه في مواجهة بعض المشكلات المعقدة قد لا يتفق اطرافها على ما يمكن عمله، لكنه عند الحد الادنى ينبغي أن تتفق تلك الاطراف على ما ينبغى تجنبه ومالا يقبل عمله. من هذه الزاوية ازعم ان هناك الكثير الذى كان ينبغي عدم الوقوع فيه. حتى لا تتحول محاولة فض الاعتصام الى نوع من الاستباحة التي تفتح الابواب لانطلاق مختلف الغرائز الشريرة التي يمكن ان تحرق الوطن فى نهاية المطاف. من ذلك مثلا ان إطلاق الرصاص على المتظاهرين اذا كان ضروريا فينبغي له الا يتجاوز الارجل والاطراف اما حين يطلق الرصاص على الرأس والصدر، فذلك يعنى ان القتل هو الهدف وليس فض الاعتصام وحرق المتظاهرين. كما انه لم يكن مفهوما على الاطلاق ان تستهدف المستشفى الميداني فى اعتصام ميدان النهضة، وان تحرق بكل ما فيها وما كان ينبغي ان تمنع سيارات الاسعاف من انقاذ المصابين، وارجو ألا يكون صحيحا ما قيل عند استخدام تلك السيارات لإدخال الجنود وسط الحشود او لنقل الذخيرة، ولكن تمنيت ان تناط المهمة بأجهزة الداخلية والا يقحم الجيش في العراك، بما يعيد الى الاذهان سجل الشرطة العسكرية المؤسف في موقعة ماسبيرو. وهي ملاحظة اسجلها استنادا الى ما بثته الـ بى بى سى عن اشتراك عناصر الصاعقة والمظلات في المواجهات، ثم اننى لم افهم سببا لإقحام كنائس الاقباط في العراك من جانب بعض المتظاهرين مما ادى الى استهدافها فى بعض مدن الصعيد ورغم ادراكى لتوتر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين بعد 30 يونيو أسباب سبق ان اشرت اليها الا ان الاعتداء على الكنائس أثار من المشاعر ما كان ينبغي لأى طرف أن ينسب نفسه الى التيار الإسلامي أو غيره ان يتورط فيه. وارجو الا يكون صحيحا ما رددته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من ان جهاز امن الدولة دوره فى فتح جبهة الفتنة الطائفية لصرف الانظار عن الفتنة السياسية التي عمت البلاد.
بقيت عندي ثلاث ملاحظات هي ان مجلس الوزراء حين حيا وزارة الداخلية على ادائها في المواجهة وحمل الطرف الاخر المسئولية عن المذبحة التي وقعت فإنه اصبح شريكا فى جريمة القتل وجعل ايدى جميع اعضائه ملوثة بدماء الضحايا.
الملاحظة الثانية ان بيانات وزارة الداخلية التى اكتفت بإحصاء الاصابات بين رجالها وتجاهلت عشرات القتلى من المواطنين المصريين الذين سقطوا برصاصات رجالها لم تفتقد الى الشفافية فحسب وإنما افتقدت ايضا الى النزاهة واحترام حقوق الانسان.
الملاحظة الثالثة ان الدوائر السياسية الغربية وابواقها الاعلامية اقامت الدنيا ولم تقعدها حين قتل خمسة اشخاص في المواجهات التي حدثت في تركيا بسبب احداث ميدان التقسيم وفعلت نفس الشيء حين سقط سبعة قتلى في مواجهات ايران التي وقعت بعد انتخابات عام 2005 في ظل ما سمى بالثورة الخضراء، لكنها التزمت الصمت واتخذت موقفا مائعا ازاء سقوط عشرات القتلى المصريين فى ميداني رابعة العدوية والنهضة.
تلك ملاحظات سريعة تتعلق بشرارات الحريق التي انطلقت، اما الحريق ذاته فله كلام آخر.