كتبتُ قبل أكثر من أربع سنوات وتحديدا في 4 اغسطس 2009م مقالا بعنوان "الانفصال.. النظام.. أيهما يُطيح باليمن..!!"، قلت فيه بانه يجب على الرئيس "انذك" علي عبدالله صالح إعادة النظر في سياساته القائمة وفي وزرائه ووكلائه في المحافظات "المحافظين" وفي ممارسات القادة العسكريين، والعمل على إعادة الأمور في المحافظات الجنوبية إلى ماكانت عليه قبل 1994م، والبدء في تنفيذ الحكم المحلي الكامل الصلاحيات، والمساواة بين المواطنين من المهرة إلى صعده في الحقوق والواجبات، والضرب بيدٍ من حديد ضد كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام، أو ممارسة المناطقية أو النهب والسلب لاسيما إذا كان من كبار القوم.
* اليوم هناك بعض ضعاف النفوس والمرضى من يتخذ من القضية الجنوبية حصان طروادة لتحقيق اهدافه الدنيئة في الجمع بين السلطة والثروة والعودة الى الواجهة على حساب اليمن وأبنائه وامنه واستقراره، وعلى حساب شعب الجنوب المنقسم في آرائه وولاءاته بين قيادات معتقة ومومياوات محنطة تريد ان تظل في الواجهة..!!
الى اليوم لايستطيع احد اولئك المرضى الذين ملأوا الدنيا زعيقا للمطالبة بالتعامل الندي والتفاوض في دولة محايدة!!، على ماذا التفاوض وماهي بنوده وأجندته..؟.
لم يستطيعوا ان يوجدوا تعريفا محددا عن ماهية القضية الجنوبية وماهي الحلول المقترحة، وكل مايقال هي انها قضية شعب ودولة وهوية وانتماء وثروة وأرض..
- الى هنا ونحن متفقين، وتحدثنا عن هذه العناصر منذ 2008م عندما كانوا قابعين في بعض العواصم العربية والاجنبية؛ يتنعمون بالاموال التي حصلوا عليها عام 1994م، واليوم أصبحوا أبطالا لهم صولة وجولة، وشنة ورنة، وضجيجا كالطبول الفارغة التي تشبههم كثيرا، مستغلين الوضع الهش الذي تمر به البلاد، وعدم وجود الدولة، واستثنائية الحالة التي تمر بها من حيث الهيبة والقوة والامكانيات..
- كنا ولازلنا وسنستمر في المطالبة بان تعالج قضايا الجنوب بشكل عام، وبما يعيد حقوقه السابقة ويضمن حقوقه اللاحقة؛ كشعب يمني له كامل الحقوق وعليه كامل الواجبات لافرق بينه وبين اي مواطن شمالي او شرقي او غربي، ودولة كانت قائمة بكل امكانياتها المادية والمعنوية.. المدنية والعسكرية، وتوحّدت مع دولة ثانية وبالتالي لابد ان يكون لكلا الدولتين "المندمجتين" ومكوناتهما حصة مكتوبة ومحددة ومتفق عليها على شكل "كوتا"، ويتم كتابتها باتفاقيات رسمية لفترة انتقالية لاتقل عن 8 سنوات "دورتين انتخابيتين للبرلمان ومجالس الحكم المحلي للاقاليم او المقاطعات او المخاليف.. لافرق في التسمية" وبعدها تنتهي هذه الحالة ليتعزز الولاء لليمن بشكل عام، وللعمل في اطار الاقاليم التي ستُنشأ وفقاً لما سيُحدده مؤتمر الحوار الوطني ويتراضى عليه الشعب اليمني من اقصاه الى اقصاه..
في خلال هذه الفترة "الانتقالية" لابد ان تعمل جميع الاطراف السياسية والاجتماعية في كلا الدولتين "السابقتين" وفق استراتيجية دولة، مرسومة ومتفق عليها وهي تذويب العنصر الثالث ضمن عناصر القضية الجنوبية وهو عنصر "الهوية والانتماء".. تذويبها بقرار جماعي وليس بقرار شخصي او أحادي من احد الطرفين كما تم في التجربة السابقة، يتم تذويبها بالمناهج الدراسية ووسائل الاعلام وبمختلف إمكانيات الدولة "الجديدة" الثقافية والرياضية وبعض الفعاليات المدنية والعسكرية وغيرها من الادوات والوسائل الكثيرة..
أما العنصر الاخير وهو "الارض" فهي محلولة بالحكم المحلي الذي سيتم اعتماده بالفيدرالية او بغيرها، رغم اني لست من دعاة الفيدرالية لاني مؤمنٌ بانها اولى خطوات الانفصال لاقدر الله، لاسيما ووضع الدولة غير مستقر والوضع الامني هش وقوة الدولة وهيبتها منتهكة من قبل كل من يمتلك مسدساً، فضلا عن السلاح الثقيل الموجود لدى بعض المشائخ وجنرالات الجيش، وكان من المفروض ان تكون الفيدرالية اولى خطوات الوحدة عام 90م لجمع شطري اليمن في دولة واحدة وعلى قاعدة المساواة وبما لايسمح لاحقاً بالضم والإلغاء وظهور المواطنة غير المتساوية، تتبعها خطوة او صيغة الوحدة الاندماجية لكن قدّر الله وماشاء فعل..
ذكرتُ الفيدرالية في الفقرة السابقة باعتبارها امر واقع، بل وواجب علينا ان نسعى لها للحفاظ على ماتبقى من الوحدة في القلوب والحفاظ على وشائج القربى والانساب التي اختلطت خلال الفترة الماضية والتي تحتم علينا البحث عن صيغ التوافق وقواسمها المشتركة، لأننا وصلنا الى طريق شبه مسدود، وليس من حل غيرها يمكن ان ينهي الاشتباك الذي حصل بين مايُفترض ان يكون؛ وبين ماكان على ارض الواقع منذ العام 90 وحتى اليوم، والدوامة التي ادخلنا بها الرئيس السابق ونظامه منذ العام 94م وفق ثقافة المنتصر..
* سيقفز الى الاذهان سؤال مهم وهو من الذي سيوقع اليوم على الاتفاقيات المنظمة للوحدة بين الدولتين المندمجتين بدلا من علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض اللذين وقعا الاتفاقية السابقة في 30 نوفمبر 1989م باعتبارهما اكبر شخصيتين في الشطرين "علي صالح رئيس الشمال وعلي سالم امين عام الحزب في الجنوب والذي كانت صلاحياته تطغى على رئيس الجمهورية آنذاك المهندس حيدر ابوبكر العطاس بحكم النظام الاشتراكي الذي يُمكِّن الحزب من الهيمنة على الدولة..
- هذا سؤال مهم والاجابة عنه لابد ان تكون منطقية ومقبولة، إذ لايمكن ان يأتي شخص من الشارع، معه لسان او قلم او تاريخ سابق او مدعوم ماديا من جهة او دولة ما؛ ولايملك اية صفة سياسية او اجتماعية لتمثيل الشعب الشمالي او الجنوبي ويريد ان يوقع على تلك الاتفاقيات التي ستحدد مصير شعبين، وستلغي دولتين بكل مقوماتهما وامكانياتهما المادية والمعنوية، لتقوم على انقاضهما دولة جديدة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، وإذا صدقت البدايات أشرقت النهايات..
* إذن ماهو الحل؟
اعتقد انها مسألة تستحق الوقوف عندها طويلا، وتحديد من المسؤول الذي يستحق ان ينال شرف تمثيل الدولة "الشمالية او الجنوبية" بأثر رجعي، ويكون عليه إجماع شعبي ويتمتع بدعم سياسي محلي واقليمي ودولي، وهذه كلها مطلوبة لمساندته اللوجستية، لانه سيمثل ذلك الشطر في المفاوضات على بنود تلك الاتفاقيات التي ستحفظ لكلا الشطرين السابقين بشعبيهما حقوقهم وواجباتهم..!!
وأنا شخصيا أرى ان الحل يكمن في إنشاء مجلسين من الحكماء للجنوب والشمال، من اعضاء البرلمان والوزراء والقيادات السياسية وقيادات المؤسسة العسكرية، ثم يقوم كل مجلس من المجلسين بتعيين وفد رسمي لايزيد عن 10 اشخاص يمثل الشطر الذي يتبعه في المفاوضات التي ستجرى على ترتيب كيفية الحكم خلال الفترة الانتقالية، وبما يضمن لكلا الشطرين وشعبيهما الحق في السلطة والثروة وفق الكوتا التي تحدثنا عنها في ثنايا المقال، للفترة الانتقالية المحددة بدورتين انتخابيتين فقط.
وأرى ان يتم اختيار المجلسين من المشهود لهم بالكفاءة والحنكة السياسية والملاءة المالية ونظافة اليد وحب اليمن، وتجنيب المجلسين والمفاوضات بالتبعية، كل من تلطخت يده بالدماء او باستلام الاموال غير المشروعة من الخارج، او العمل مع جهات خارجية، حتى لايعمل وفق رهانات واجندات تخدم الممولين ولاتخدم اليمن، وحينها سنعود الى مربع الصفر لاقدر الله..
اثق كثيرا بقدرة الرئيس عبدربه منصور هادي على إدارة هذا الملف، ليس بسبب الإمكانات الشخصية او السياسية، بل لأنه مقبول من الجانبين، فهو مرشح المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح وفيه ابرز قيادات الشطر الشمالي، اضافة الى علاقاته الجيدة مع كافة الوان الطيف السياسي ورجالات الدولة والقبيلة والمؤسسة العسكرية من الشطر الشمالي، وهو ايضا جنوبي وأحد القيادات العسكرية المعروفة في المؤسسة العسكرية الجنوبية، ولديه علاقات غير عادية مع كافة شرائح المجتمع المؤثرة في الجنوب كالوجهاء والعقال والسياسيين والقيادات العسكرية والمدنية بحكم موقعه كرئيس للبلاد حاليا، وبالتالي يستطيع ان يرعى هذه التفاهمات وان يصلح ما أتلفه سلفه، وان يعيد الامور الى نصابها حفاظا على وحدة الشعب ومكتسباته في القوة الجغرافية والسكانية والانتاجية والاستهلاكية... الخ، وبالتالي تأثيره في المنطقة والعالم..
لا أنسى في الاخير ان اشير الى ان الفيدرالية لابد ان تكون في سبعة او خمسة اقاليم على الاقل، وليس كما ينادي البعض بالاقليمين "شمالي وجنوبي" والتي اعتبرها مقدمة مستعجلة للانفصال.