ببزوغ شمس اليوم تشرق على بلادنا شمس التجمع اليمني للإصلاح - أكثر الاحزاب حجما وقاعدة وأكبرها تنظيما وأسماها رؤية وأهدافا وأخلاقا وأعظمها وطنية ومدنية - تهل علينا الذكرى 23 لتأسيسه في الثالث عشر من سبتمبر عام 1990م ، بتلك الشمس التي اشرقت حينها ، متواكبة مع المهرجانات والاحتفالات الشعبية المبتهجة بالحدث التاريخي المتمثل بقيام الوحدة اليمنية وإقرار نظام التعددية الحزبية عوضا عن النظام الشمولي الذي كان سائدا في الشطرين الشمالي والجنوبي , ومتزامنة مع الامتداد الطبيعي للحركة الاسلامية المعاصرة والتوسع المنظم لأذرع ما يطلق عليه الاسلام السياسي الذي تبنى قضية تحرير الاوطان العربية والإسلامية من براثن التبعية للاستعمار وأذيالهم وقضية أيجاد الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنهوض به وتنميته بما يؤدي الي استقلال ارادة الامة وتعزيز كرامتها واستقرارها وعزتها ومكانتها الحضارية بين الامم ,,،
وها نحن اليوم نحتفل بذكرى الشروق الغالي المتجدد ، وقد يكون من الاهمية في مرحلتنا الحالية التغني بالإصلاح وأهميته ودوره الريادي ، والتوعية بأهدافه ونظمه ولوائحه ، والتذكير بالمنعطفات والتحولات التاريخية التي رافقت مسيرته ، وتسليط الاضواء على انجازاته الوطنية ومواقفه البطولية ورجالاته ونجاحاته المتواصلة في علاقاته الداخلية والخارجية ، والاستعراض لدوره الاساسي في تأسيس العملية السياسية والتحول الديمقراطي ورعايته وتبنيه للمسيرة الثورية التغييرية السلمية وغيرها من المنجزات التي تحتاج الي اعادة نشرها والتوعية بها وبآثارها ،،،
ولكن ليس ذلك فقط هو المهم على اهميته ، وإنما الاهم منه برأيي هو المراجعة الدقيقة والتقييم الحقيقي للأداء السياسي والدعوي والحركي بقصد وضع المعالجات الناجعة لمواطن الخلل والقصور ، والتنبه والحذر للأخطار والمكايدات والمؤامرات المحدقة به من كل حدب وصوب ، ودراسة المتطلبات والاحتياجات الرئيسية للغد القادم والتي ستسهم بفاعلية في الارتقاء بالحزب وتصدره لمكانته الطبيعية في قيادة اليمن وصناعة مستقبلها الزاهر الواعد بالتعاون مع كل احرار وشرفاء هذا الوطن وهم كثير ،،،
ولا باس ونحن نبحث ونراجع ان نستعين بالتجارب السياسية من حولنا ونأخذ منها العبرة والموعظة والاستفادة منها ، ومنها النقلة العملاقة التي قدمتها تجربة حكم الاخوان المسلمين في مصر والأحداث المأساوية التي اعقبت انقاض العسكر على الشرعية واغتصاب السلطة وما رافقها من جرائم وانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ومن فضح لكافة اوجه التآمر العلماني الناصري الإسلامي من حزب النور وحزب مصر القوية وغيرها من الاوجه التي دعمتها امريكا وإسرائيل وإيران والخليج ،،،
وفي الواقع دراسة ما حدث يمثل اهمية قصوى بالنسبة لحزب الاصلاح من ناحيتين : الاولى لتنمية الوعي السياسي لدى افراده واستيعابهم لحجم المؤامرات والدسائس التي تدبر وتحاك ، والثانية للبناء على نتائجه ، فقد قدم الانقلاب العسكري الدموي خدمة جليلة للإسلاميين من حيث لا يشعر ، فلقد أحرق على احزاب الحركة الاسلامية ومنها الاصلاح الكثير من المراحل التي كانت ستستغرق سنين طويلة , لنيل ثقة الشعوب وإقناع الامة بالنموذج الاسلامي الحضاري الديمقراطي السلمي المعتدل الذي يهفو اليه دعاة الحرية والديمقراطية والسلام ، وهو ما تمثله دعوتنا ،،،،
اضافة الي ، ان كسر الشعب المصري لحاجز العنف والإرهاب الفكري ، قدم على الهواء مباشرة دروس عملية عظيمة في التربية الايمانية والنضالية والقيمية ، استفدنا منها حيث ساهمت في نشر الدعوة ومبادئ الحركة حتى أصبحت مدرسة رابعة العدوية وشعارها رمز للوطنية والصمود والثبات على منازعة الطغيان ومكافحته بالسلمية التي حطمت بها الجماهير المحتشدة كل القيود التي تحاول ان تعيدها الي مربعات الاستبداد والخنوع والقبول بالقمع والحكم بالحديد والنار من قبل العسكر ,,
وليست هذه كل ثمار التجربة ، ولعل الثمرة الابرز تمثلت باستعداد الجماهير لتسليم زمام قيادتها للإسلاميين عن ثقة وانضباط والتزام بالمواصلة لاسترداد حقوق الشعب المنهوبة ، وهذا التعاطف اللامحدود كما قلنا انعكس بدوره بالإيجاب ، وهذا ما سيحصده الاصلاح في قابل الايام نجاحا منقطع النظير وليس كما يتصوره البعض مما لا يرون ابعد من انوفهم .
حقيقة الحديث عن المتطلبات الاساسية التي يحتاج اليها الاصلاح لإكمال مسيرته النضالية الثورية وللمحافظة على دوره الريادي حديث ذو شجون وقد يطول ، ولذا سنركز في حديثنا على بعض الامور التي نرى انها الاكثر الحاحا ، ومنها ما يلي :
بالضرورة يحتاج الي اعادة النظر في التنظيم من الداخل ، والتعامل معه على اساس قابليته للتطوير وبالتالي فتحديث نظامه الاساسي ولوائحه الداخلية وبرنامجه السياسي بما يتواكب وروح العصر من الاولويات ، مع الاهتمام بالتأطير وحجمه وبطرق جديدة كالتأطير عن بعد وخصوصا اذا علمنا ان هناك الكثير من الفاعلين خارج الاطار التنظيمي من مثقفين وسياسيين وإعلاميين وأكاديميين وغيرها من الكفاءات التي سترفد الحزب بمزيد من الحيوية والتنوع والقوة ، ولا تخفى السلبيات العديدة لتسييب هؤلاء والتي تصب في مصلحة الاخر المتربص وقد يسقط البعض ضحية للتشكيك والشائعات والهمس والدسائس التي تكال للحزب ليلا ونهار ،،
اعادة صياغة الخطاب الدعوي والسياسي والإعلامي والحقوقي وتطويره بما يؤدي الي الارتقاء بأداء الحزب اثناء تنفيذه لمهامه ، ايضا من القضايا المستعجلة مع ايجاد برنامج شامل لتطوير الوعي السياسي لدى القيادات والقواعد على حد سواء ، يتخلص فيه من المفاهيم والأفكار التي تنتمي للقرون الوسطى ومازالت مسيطرة على عقلية بعض القيادات والتي لا تنسجم بتاتا مع الدور الريادي للحزب تجاه المجتمع بكل فئاته وتياراته وتوجهاته وتشكيلاته المتعددة ،،
بناء منظومة اعلامية متكاملة باسم الحزب يأتي ايضا على قائمة الاولويات الهامة ، خصوصا ان الاعلام والإعلام البديل هو من يقود معركة الحق والباطل في الحاضر ، وينبغي ان تشمل هذه المنظومة قناة فضائية خاصة متحدثة باسم الحزب بشكل صريح وواضح ، مع تطوير وتحديث صحيفة الصحوة والصحف الاخرى المساندة ، والمواقع اللالكترونية وأنشأ صفحات رسمية للحزب على الفيس بوك والتويتر واليوتيوب والجوجل بلس والاسكايب وغيرها من الشبكات الجماهيرية الفاعلة والمؤثرة في صناعة الرأى العام ، يرافق ذلك تشجيع للكتابات والآداب والشعر والإنتاج الفني الغنائي والتمثيلي والوثائقي بأشكاله المختلفة ، وإفساح المجال امام كل القدرات والطاقات الابداعية ، ومع تطوير النظام المعلوماتي والمادة الاعلامية حتى تسهل مهمة الحصول على المعلومة عند طلبها من الناشطين وبالذات على الشبكة العنكبوتية ، مع الاهتمام بتجهيز فريق اعلامي ضخم مهدف ومدرب ونشط على مستوى كل دائرة ومركز ومربع وحارة ، ويشترك به الناشطون على النت وغيره ، يعمل على التوعية والكسب والتفنيد للشائعات بالإقناع العقلي المرتكز على الحقائق وليس الخطب المنبرية او اثارة العواطف والحماس فقط ، مع الاستفادة من كمية التداول المعرفي والثقافي الذي حدث في وسائل الاعلام بين كبار المثقفين والدعاة والمحللين السياسيين والبناء عليه بنشره بوسائل شائقة وجذابة ستساهم في تقوية اواصر بناء الثقة وتنميتها نحو تحقيق الهدف الاسمى في قيادة الشعب نحو بر الامان ،،
ينبغي على قيادة الاصلاح التخلص من الخطاب النخبوي والنزول بالخطاب الي اقصى درجات القاع الشعبوي والي الطبقات البسيطة الكادحة وفي كل مكان في القرى والمدن في البوادي والحضر ، مع مزيد من التبني لقضايا كافة فئات المجتمع وتفعيلها على كل المستويات ،،،
مزيد من الاهتمام بقضايا المرأة والشباب والطلاب والمنظمات والنقابات والاتحادات والمساجد بنفس مستوى تواجدها الفعلي وأثرها على ارض الواقع ، وهو تواجد كبير وعميق ومؤثر ،،،
التركيز على التربية الايمانية والروحية والأخلاقية للأعضاء وإصلاح ذات البين ، حتى يكون الجميع عند مستوى المسؤولية الكبيرة في حمل امانة الحفاظ على ارادة الشعب وثورته ووحدته ومكتسباته وثرواته .
تقف امامنا تحديات كبيرة ومتطلبات كثيرة اهمها اعادة ترتيب اللقاء المشترك وقد تطرقنا الي هذا الموضوع بتوسع في مقالنا السابق بعنوان " اللقاء المشترك ومستقبل اليمن " وبالإمكان العودة اليه لأهميته ، وما يهمني هنا في هذه العجالة هو تذكير حزب الاصلاح كونه الحزب الاكثر تنظيما والأوسع قاعدة ، والأقدر ماليا وتربويا وإعلاميا ، بالمسؤولية التاريخية الكبيرة الملقاة على عاتقه تجاه هذا التكتل السياسي من حيث التصدي الجاد لمحاولات تفكيكه حتى من بعض المنتمين اليه ، وتحويله الي تجربة شراكة وطنية مثمرة وخلاقة تقود البلد حتى تحقيق كافة اهداف ثورة فبراير باعتبار المشترك الحامل الرئيسي لها .
مع التيقض لمخاطر المشاريع الصغيرة - لرموز نظام المخلوع والحوثيين والمشروع الانفصالي للبيض وزمرته - التي تسعى ان تعصف باليمن ووحدتها ومشروعها التغييري السلمي ، وتتآمر على الاصلاح وجودا ودورا وريادة , خصوصا وهناك بعض العلمانيين من الاشتراكيين والقوميين ممن انضم الي جوقة من يشن حربا ضد الاصلاح ويريد ببلادة وسذاجة اسقاط ما حدث في مصر على بلادنا رغم الاختلاف الكبير والجوهري ،،
اما على المستوى الدولى فلم يعد خافيا حجم التأمر الدولي وخطره الذي يقوده البيت الابيض ومن خلفه اللوبي الصهيوني على الحركة الاسلامية وعلى فكرها الوسطي المعتدل الأكثر صمودا والأشرس مقاومة والاعف عن المتاجرة بالأوطان وإرادة الشعوب ،
ومع اهمية الالمام بأبجديات الخطة التأمرية وأدواتها التنفيذية في بلدنا ، اجد انه من الواجب الاهتمام بالجيش اليمني و معرفة حجم نفوذ تلك الادوات الخاضعة للأطماع الداخلية او الخارجية من القيادات والجنود مع مواصلة العمل على الهيكلة الصحيحة وبناء العقيدة القتالية للجيش على الولاء لله وللوطن وللشعب وليس سواهم ،،
السعي الحثيث للتوغل الناعم في مؤسسات الدولة العامة بالوزارات والسفارات والأجهزة والهيئات والقضاء والإعلام والجيش لتطهير تلك المؤسسات من رموز الفساد وبائعي الضمير ، مع مواصلة الجهود لإحداث نهضة اقتصادية وخدمية شاملة يستفيد منها كل المواطنين ،,,,
وعندها نستطيع ان نقول ان الحزب استطاع بجدارة النجاح في انجاز المشروع الثوري التغييري وقيادة الشعب نحو التقدم والرقي والعدل والحرية والديمقراطية والأمن والاستقرار والتنمية ،،، وكل عام والوطن وإصلاحنا بخير .
لمؤسس الحركة الاسلامية في اليمن الشاعر المرحوم محمد محمود الزبيري
أيها الغاضبون من ثقة الشعب ... بنا والمؤلبون علينا
أيها المرهقون يأساً وغماً وانهماكاً في هدم ماقد بنينا
أيها الحاسدون من أجل عبء قد ونينا من ثقله وأنحنينا
لو حملتم من أمره ما حملنا لاشتكيتم من الأسى ما اشتكينا
أيها الزاعمون انا احتكرنا دعوة الحق وحدنا وانزوينا
ما احتكرنا نضالنا بل دعونا فرفضتم أن تفهموا ما عنينا
هالكم صبرنا على كل خطب فوقفتم من ذعركم...! ومضينا
ساءكم أننا انفردنا بعزمٍ وصمود... وأننا ما انثنينا
انتموا ... ليس نحن...غبتم ليبقى شرف الحق كله في يدينا
يعلم الله أننا نتمنى لو رجعتم بعد العقوق إلينا
بل وندعو أن تسبقونا وتجنوا ثمرات الختام مما ابتدينا