الحكاية العاشرة من حكايات مؤتمر الحوار الوطني

2013/10/06 الساعة 12:14 مساءً

مأساة العدالة الانتقالية في محورها

هذه الشهادة من اجل أن يدرك الناس بأنه مفروض عليهم بأن يكونوا ويظلوا ضحايا

الالم والحزن في هذه البلاد مشاعر سائدة لا يمكن تغييرها وليس من حق أحد بأن يفرح أو يكون سعيدا ، لأننا ببساطة لانعرف ماذا يعني الفرح والسعادة والانبساط  ؟ ترتبط هذه المشاعر فينا بالمال والسلطة والنفوذ ، والفرد منا لا يستطيع أن يحلم أو يفكر سوى لنفسه وذاته لا غير، أو كيف يمكنه الوصول إلى السلطة وأصحابها والحصول على المال بالنفاق والمجاملات ومحاولة إرضاء جميع الاطراف ؟  وحين يجد الباب مغلقا ينظم لأي حزب حتى وأن كان لا يتفق معه فكريا ، هذه المعادلة وحدها التي شكلت قوام مؤتمر الحوار الوطني ، ماعدا استثناءات قليلة تاهت في أروقة  فندق الموفنبيك جاءت تحمل أحلامها بالتغيير ومبادئها وقيمها ، فأتهمت بالكولسه "**" في ظل دفاعها المستميت من أجل حقوق ضحايا انتهاكات حقوق الانسان والصراعات السياسية بشهادة الشهود ، كل هذا ربما يفسره البعض بأنه سعي لتحقيق مآرب شخصية ، ليس مهما لان أولئك اللذين واللواتي يرمون هذه الاتهامات جزافا على الغير ، بإمكانهم / امكانهن المشاركة والحضور في اللجان المصغرة لفرق الحوار المتعددة خاصة العدالة الانتقالية  ، ثم يطلقوا أحكامهم / أحاكمهن ، لعلهم / علهن يستفيدوا ويفيدوا أن استطاعوا / أستطعن ذلك ، وفي هذا ليس استعراض للقدرات ولكن المنطق والعقل يقول ذلك ، فالمشاركة في اللجنة المصغرة ليس بالأمر الهين في فرق مؤتمر الحوار الوطني ، في اللجنة المصغرة تعرف كم هو ضئيل حجم الانتماء لهذا الوطن ، وكم هو الانسان اليمني رخيص ، في اللجنة المصغرة تستطيع أن تقرأ ملامح الوجوه بعد سقوط الاقنعة ، وتستمع إلى الفلسفة السياسية الجافة التي ليس لها علاقة بمبادئ حقوق الضحايا ، لان الحقوق في العدالة ثابته ومتساوية ولا مقايضة فيها لأنها ترتبط بالدستور والقانون وليس بالمكانة السياسية ولا يمكن للمماحكات السياسية أن تحققها ، حتى في المرحلة الانتقالية لأنها ترتبط بآليات العدالة الانتقالية ، وليس بالطموح السياسي أو حتى بالتغيير الذي قد حدث في حقبة زمنية سابقة لهذا الحزب أو ذاك ، ولا يمكن مساواة قضية شعب وثروته المنهوبة كان له دولة نظام وقانون بقضية إنسان مهما بلغت مكانته وأن كان رمزا وطنيا كبيرا لأنه لا يمكن أن يساوي قضية وطن مسلوب بكل ما فيه ، هذه المعادلة غير الموزونة ، هي مأساة العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ، حيث تجتمع القوى السياسية والمكونات غير المهيكلة في اللجنة المصغرة لفريق قضابا ذات بعد وطني والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتي كان في اسمها السابق المصالحة الوطنية تسبق العدالة الانتقالية ، ومر الفريق بصراع طويل ومرير لكي تكون العدالة الانتقالية سابقة للمصالحة الوطنية ، و وقفت اللجنة المصغرة أمام قرارات المجموعتين " قضايا ذات بعد وطني وفيها " النازحين ، استرداد الاراضي والاموال المنهوبة في داخل والخارج ، الارهاب " والعدالة الانتقالية وفيها " المخفيين قسرا ، الصراعات السياسية ، انتهاكات حقوق الانسان 2011م ومنذ 2007م " ، وبعد جهد جهيد انتهت اللجنة المصغرة من وضع المحددات الدستورية والقانونية ومناقشة قرارات المجموعة الاولى " قضايا ذات بعد وطني " ، وحين انتقلت اللجنة لمناقشة المجموعة الثانية حدث مالم أكن أنا شخصيا أتوقعه الاختلاف على مالا ينطبق على مفاهيم العدالة الانتقالية وكل شخص في اللجنة يظن بأنه على حق دون تقديم تنازلت عن الخاص أمام العام ، وبدأ المؤتمر الشعبي العام يشهر سلاح الانسحاب من اللجنة المصغرة حين أستقر الوضع على أن تسبق العدالة الانتقالية المصالحة الوطنية بعد مشاركته في مناقشات محددات وقرارات قضايا ذات بعد وطني ، وتوالت المناقشات والجدل في قرارات ومحددات مجموعة العدالة الانتقالية ، وأحتدم الصراع  بين المكونات السياسية بقوة  في القضايا الخاصة وهل يجوز أن نضع أسماء في قرارات الفريق أو لا نضعها أو تعاد رفاتهم لذويهم ، وبعضها رموز وطنية وعن محطات الصراع ؟ وكل حزب يزعم بأن ضحاياه اكثر وأن لديه رموز وطنية أيضا ، وان ضحاياه تعرضوا لتنكيل والانتهاكات في الشطرين شمالا وجنوبا ، بلى نحن ندرك هذا ولا نلغيه ، ولكن هذه ليس مهام الفريق ولا اللجنة ، كل هذه تجمع وتسرد في قائمة ملحقة بالتقرير وتبث فيها لجنة كشف الحقيقة والهيئة المنبثقة عن قانون العدالة الانتقالية التي ستحدد فيما بعد الالية المناسبة لجبر ضرر كل أولئك الضحايا وما هو التعويض المناسب وما سيكون شكل تخليد ذكراهم " وهذا طرح كمقترح لا أكثر من مرة " من قبلي ومن غيري فيما بعد / هذا في ظل اتهامي بالكولسه  " ؟ وبالمقابل إذا  لن تسري هذه القرارات بهذا الشكل المطروح فأن كل قضية خاصة يجب أن تلغى ولا يتم طرحها في القرارات التي سيشملها تقرير الفريق ؟ ومثلما وضع هذا الخطأ ابتدأ  ولم يعالج في حينه من قبل رئاسة الفريق و" تحديدا الرئيس" وبقي الامر معلقا دون معالجات في ظل تنازل البعض وتمسك البعض الاخر برأيه ، في حين ظل مكون الشباب والمرأة في حيرة من أمرهما تجاه هذه الخلافات التي يمكن معالجتها ببساطة ، وعوضا عن الحسم فتح رئيس الفريق الباب على مصراعيه للقضايا الخاصة في حين أن أساس عملنا في مؤتمر الحوار الوطني وضع المحددات الدستورية والقانونية العامة للعدالة الانتقالية والتي تشملها القضايا الخاصة وليس العكس ، وهنا خلط الحابل بالنابل ، وتساوت القضايا والوقائع وسنوات الصراع والاشخاص وتضاءل حجم الوطن " الدولة وثروتها التي نهبت وسرقت وسلبت " ، والمؤلم بأن الفتاوى التكفيرية التي هي سبب كل الانتهاكات التي حدثت في الجنوب والصعدة وربما غيرها من المناطق وعلى شعب بأكمله وطائفة بعينها واشخاص بأسمائهم لم يشملها القرار المقترح ، كما لم يشمل ذلك القرار إعلان الحرب على الجنوب في 27/ أبريل/1994م والذي على غرره شجع إبادة شعب الجنوب ؟ وما يلفت الانتباه  أن غياب هاتين الجريمتين وهما بالفعل جرمتين لان لهما ما يدللهما ويثبتهما " بمنأى عن لجنة كشف الحقيقة والهيئة المنبثقة عن العدالة الانتقالية " فقد نال استحسان قوى سياسية بعينها متورطة حتى النخاع في هاتين الجريمتين  التي لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمن وبلغ علو ومكانة مرتكبيها ،  فلم نكن بحاجة إلى كل ذلك الكم من القضايا التي صنفت بأنها جرائم قبل أن يتوافر دليل صفتها الاجرامية ، في حين انها يجب أن تظل إلى آخر لحظة قضية وليست جريمة ويخضع التصنيف إلى لجنة كشف  الحقيقة أو الهيئة التي سيؤول إليها تنفيذ آليات قانون العدالة الانتقالية وفقا للتقرير وملحقاته أن تم قبول المقترح أعلاه ، وبرزت خلافات لا داع لها بين عدد الممثلين في اللجنة المصغرة ، وتخيل ايها القارئ  كم هو مؤسف بأن تحضر كل تلك الشخصيات من هيئة رئاسة المؤتمر لتحل مشكلة الخلاف بين عدد الممثلين في اللجنة المصغرة ومن منهم يسمح ويحق له النقاش ومن ليس له حق النقاش ، وتركت المشكلة الكبيرة والاساسية بلا نقاش وبلا حلول ومعالجات ، ومن المساوئ التي لحقت بالفريق استقالة رئيس الفريق ، وظلت اللجنة تدور في دائرة من الفراغ الذي يبدو أنه متعمد من القوى السياسية التي تهدد تارة بالتعليق وتارة أخرى بالانسحاب ، وفي ظل كل هذا لم يدرج تقرير انتهاكات حقوق الانسان منذ عام 2007م رغم تنقيحه لكثير من القرارات التي عدلت فيه لان بعضها تناولته النقاط العشرين والنقاط الاحدى عشر وكذلك صندوق جبر الضرر الذي تم إنشائه مؤخرا ، وتم تجاهل ما تبقى من قرارات لان اللجنة المصغرة مازالت تدور وللأسبوع الثاني على التوالي في نفس الساقية الواردة أعلاه ، ومن المخجل بأن تؤجل قرارات تتعلق بالانتهاكات التي طالت معالم وأثار وهوية عدن التاريخية ومرافقها السيادية وفضية عمال ميناء عدن ..وغيرها من القرارات التي تناولها تقرير المجموعة المصغرة لانتهاكات حقوق الانسان منذ عام 2007م والمستمرة حتى هذه اللحظة في الجنوب ، فهل يعقل أن تقارن أو تلغى هذه القرارات والتي يمكن أن تصبح محددات لأنصاف القضية الجنوبية من جانبها الحقوقي بالقرارات المتعلقة والخاصة بالأسماء وضحايا الصراعات السياسية السابقة كما هو الحال في طرح التنظيم الناصري بحجة أن القضايا الخاصة بهم إذا رحلت إلى الملحق أو ألغيت فيجب أن يشمل ذلك كل موضوع خاص ؟! ولم نصل إلى نتيجة على الرغم من أنه فيما بعد قدم التنظيم الناصري مقترح من قرارين قدما للجنة المصغرة فتمت مناقشتهما وتعديلهما ، ثم عدنا من حيث أتينا بشأن الرموز الوطنية والتي والله لم ولن ينساها احد ؟ فنعيد تكرار طرح المقترحات من أول وجديد وكأننا لم نقل شيء ولم نقدم شيء ، وبدأ مستوى ضغط الدم لدي يرتفع أكثر، وغضب الاشتراكي الذي كان مؤيدا للمقترح  ، فعلق تمثليه في اللجنة المصغرة ببيان رسمي ؟ كل ذلك ومازالت هناك فضايا لم يتم تناولها  كقضية النوع الاجتماعي وهي من قضايا العدالة الانتقالية الهامة لرفض الاحزاب الاسلامية ذلك المصطلح ، ولم يناقش وضع المرأة والطفل في العدالة الانتقالية التي يجب ضمان حقوقهم فيها ، كما تم ترحيل القرار الخاص بالحصانة والعزل السياسي إلى أن تحسم الامور الشائكة ، ومرة أخرى أعاد  حزب الاصلاح جهارا نهارا  بتساوي القضية الجنوبية في شقها الحقوقي بتلك القضايا الخاصة وتصبح ملحق ، وكعادته التيار الاسلامي يتهلل فرح حين يجد له مخرجا بضم الواو"  جاهزا يبرئه مثلما حدث في عدم ذكر الفتاوى التكفيرية ولا الفيد الذي تم بناءا عليها ، ترى على ماذا تراهن القوى السياسية التي عجزت عن معالجة قضايا الناس في حقوق عادية اعتيادية  من كهرباء وماء وهي الملزمة لهم  ، إذ ان هذه حقوق معيشة بسيطة أسوة ببقية الناس في العالم  ، وليس المعيشة الضنكى المفروضة على الشعب اليمني عنوة وعن عمد  ، وهذه القوى السياسية تعلم بأنها في  ظروف استثنائية لا يمكن أن يتم تجاوزها  بالمصالحة الوطنية  والتوافق  ، بمعزل عن العدالة الانتقالية خاصة قضايا الشعب المسحوق في الجنوب ، فحتى وأن استطاعت لجنة الستة عشر معالجة القضية الجنوبية سياسيا تبقى القضية الجنوبية حقوقيا مرتهنه بالعدالة الانتقالية , ويخطأ من يظن بأن المصالحة الوطنية هي الحل المناسب دون الولوج في العدالة الانتقالية وسيظل وحده الانسان في هذه البلد ضحية ليس للانتهاكات والصراعات بل لتلك الرهانات والمساومات والمقايضات بين  القوى السياسية من اجل تكرار انفسهم في الهيئة المنبثقة عن قانون العدالة الانتقالية  ولجنة كشف الحقيقة  ، ثم كرسي السلطة والحكم القادم لمن ، وبين الكولسة والصدق بون شاسع وكبير ؟! .

إعداد : الناشطة الحقوقية / المحامية : عفراء الحريري