في الوقت الذي كانت تسيل فيه دماء المعتصمين بميداني رابعة والنهضة ، كان عدد من أحذية النظام الانقلابي العسكري الدموي الفاشي في الصحافة والإعلام يبررون ما يقوم به القتلة الانقلابيون ويشككون في المجزرة أو يدعون إلى الانتظار حتى يتم التحقيق – الذي لا يتحقق أبدا!- مع أن الدبابات والمدرعات والجيوش المدججة بالسلاح والرصاص الحي وأنهار الدم تجري على أرض المجزرة والقتلى بلاعدد على الأرض وفي المستشفى الميداني !
عبيد العسكر لا يخجلون من أنفسهم ولا من الناس ولا من الله ، لأنهم يحاربون الله والناس والضمير ، ولا يتورعون عن قلب الحقائق وتشويه الوقائع والتدليس والتضليل كي يرضى عنهم العسكر القتلة الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة !
عقب سقوط حكم مبارك الفاسد انقسم الشعب المصري إلى فريقين . الأغلبية المؤمنة بالحرية والكرامة والديمقراطية والمساواة ، والأقلية التي تضم الكنيسة المتمردة ومجموعات العلمانيين من الليبراليين والشيوعيين والناصريين والفاسدين وأصحاب المصالح . الأغلبية لا تملك إلا إرادتها الحرة وصدرها العاري في مواجهة آلة القمع الوحشية . أما الأقلية فهي تسيطر على مفاصل الدولة في القضاء والجيش والشرطة والإعلام والصحافة والثقافة والتعليم والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية . الأغلبية بحكم ضعفها المادي تعيش حال طبقية تضعها في قاع المجتمع وتعيش البؤس غالبا والتمييز العنصري البشع ولكنها تحرص على حريتها وكرامتها وعقيدتها . الأقلية العنصرية لا تبالي بالحرية ولا الكرامة الإنسانية ، كل ما يشغلها هو الحصول على المكاسب المادية بأية وسيلة مشروعة أو غير مشروعة ولا يهمها أن توضع بيادة الديكتاتور على رقبتها وأن يضع الطاغية سلاسله في أعناقها ويشدها إلى حيث يريد ، فهي تمضي دون أن تعترض أو تحتج طالما سيكون هناك عائد مفيد .
بعد الاستفتاء على إعلان 19 مارس 2011 ، بذلت الأقلية العلمانية العنصرية جهدا كبيرا لإطفاء أنوار الحرية وسحق الديمقراطية ، وحرمان الشعب المصري من الحرية ، وإلغاء الإسلام من الحياة الاجتماعية . لقد أنفقت أموالا كثيرة لاجتذاب العبيد ، وتهيئة الواقع الاجتماعي لقبول ديكتاتورية العسكر أو من ينوبون عنهم وتكريس العبودية الشاملة بحيث يتحول المواطن المصري إلى آلة تسمع وتطيع ، وفق آلية القمع والقهر والكذب المزمن والتدليس الذي لا يتوقف!
العبيد في بلادنا أصحاب هوى ومصلحة ، وهواهم ليس مع الوطن أو الدين أو المستقبل ، ومصلحتهم ليست لحساب الحرية أو الكرامة أو الاستقلال ، وهم على استعداد للتضحية بالوطن والاستقلال ، وقد رأينا النائب الذي رقص في البرلمان عقب هزيمة 67 لأن الطاغية لم يسقط ؛ مع أن الجيش تم تدميره وخسرت مصر سيناء وغزة ، وخسر العرب القدس والضفة الغربية وغور الأردن والجولان ومزارع شبعا . الذي كان يهم العبد الرقاص هو بقاء الزعيم المهزوم دائما ، أما الجيش والأرض والكرامة والاستقلال ، فأمورلاقيمة لها ولا أهمية !
الشيءنفسه فعله العبيد يوم الانقلاب الذي قام به وزير الدفاع يوم الثالث من يوليو . لقد ملأوا الدنيا فرحا وابتهاجا لتعطيل الدستور ومصادرة الحريات وحل المجلس التشريعي واختطاف الرئيس الشرعي . هؤلاء الأنجاس المناكيد لم يدركوا معنى أن ينقلب وزير على الدولة ويضعها في جيبه ، ويصبح حاكمها الأوحد من خلال مجموعةبيادق يحركها كيف يشاء . لقد فقد العبيد الإحساس بالحرية وغاب عنهم معناها ومبناها ، وهم على استعداد أن يصنعوا عجين الفلاحة لإلههم الجديدالعاجز وأن يكونوا حذاء في قدمه بدلا من البيادة التي يرتديها ، وهو ما تستطيع أن تجد ملامحه في كتاباتهم وكلامهم وتحليلاتهم ، ابتداء ممن تنتظر أن يغمز لها السيسي بعينه لتنفذ مايريد حتى ذلك الذي يراه بطلا قوميا مثل اليهود الذين رأوه بطلا قوميا لكيانهم الاحتلالي الغاصب ! أو أولئك الطائفيون المتمردون الذين رأوا في الانقلاب انتصارا مسيحيا على الإسلام أو انتصار" إنجيلنا على القرآن أبي سيفين " كما قال القس الإرهابي المتمرد فلوباتير !
الأحرار يدفعون ثمن العنصرية الفاشية . يعيشون الفقر والتضييق ، ويدخل كثير منهم إلى السجون والمعتقلات بغير حق ، ويقدمون إلى المحاكمات الاستثنائية ، وتلفق لهم التهم الظالمة بسبب إصرارهم على الحرية والكرامة والاستقلال والمساواة.
هزيمة الشعب المصري طوال قرنين من الزمان كانت بسبب وحشية الأقلية العلمانية العنصرية التي تحكمت في البلاد والعباد، واستطاعت أن تسيطر على الإعلام والصحافة وأن توجه الرأي العام وفق مشيئتها مستخدمة الكذب والتضليل والتدليس ، وهذا أمر معتاد لدى العبيد فهم يشاركون في قلب الحقائق كما يتنفسون ، ويجدون مسوغا ومبررا زائفا لكل ما يفعله الطغاة دون أن يصحو في داخلهم ضمير، وهو ما رأيناه ساطعا في مجازر الانقلاب العسكري الدموي الفاشي مؤخرا حيث حولوا الضحايا إلى جناة بدم بارد.
ولعلي أضع هنا تصويرا حيا ورائعا لطبيعة العبيد قدمه الشهيد سيد قطب - رحمه الله - يقول فيه :
" العبيد هم الذين يقفون بباب السادة يتزاحمون، وهم يرون بأعينهم كيف يركل السيد عبيده الأذلاء في الداخل بكعب حذائه، كيف يطردهم من خدمته دون إنذار أو إخطار كيف يطأطئون هامتهم له، فيصفع أقفيتهم باستهانه، ويأمر بإلقائهم خارج الأعتاب، ولكنهم بعد هذا كله يظلون يتزاحمون على الأبواب، يعرضون خدماتهم بدل الخدم المطرودين، وكلما أمعن السيد في احتقارهم زادوا تهافتاً كالذباب.
العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لابد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد، أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد، وتراموا على الاعتاب يتمسحون بها، ولا ينتظرون حتى الاشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين .
العبيد هم الذين إذا أُعتقوا وأُطلقوا، حَسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة، لا الأحرار المطلقي السراح، لأن الحرية تخيفهم، والكرامة تثقل كواهلهم، لأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزون بها ولأن القصب الذي يرصع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يتعشقونها.....
العبيد هم الذين لا يجدون أنفسهم إلا في سلاسل الرقيق، وفي حظائر النخاسين، فإذا أنطلقوا تاهوا في خضم الحياة، وضلوا في زحمة المجتمع، وفزعوا من مواجهة النور، وعادوا طائعين يدقون أبواب الحظيرة، ويتضرعون للحراس أن يفتحوا لهم الأبواب.
والعبيد -مع هذا- جبارون في الأرض، غلاظ على الأحرار شداد، يتطوعون للتنكيل بهم، ويتلذذون بإيذائهم وتعذيبهم، ويتشفون فيهم تشفي الجلادين العتاة.....
ومع ذلك كله فالمستقبل للأحرار. المستقبل للأحرار لا للعبيد.. رحم الله سيد قطب .