شهد شهر ذي القعدة المحرم أحداثا دامية , بين اغتيالات وقتل وبين تدمير منشئات وقطع طرقات وصولا إلى اقتحام مقر المنطقة العسكرية الشرقية الثانية بالمكلا , وهي أحداث يجب الوقوف عندها لما لها من أهمية في تعرية الواقع المزري لنظام أمننا ودولتنا , ولما تمثله من خيبة أمل ونحن نرى تحطم أحلامنا بدولة مدنية عادلة قوية . فلو اقتحمت مجموعة مسلحة مقر شرطة في دولة تحترم شعبها لكان لزاما عليها أن تصارح أمتها بالأسباب والدوافع ومن يقف وراء هذه الأعمال الإجرامية , مع استقالات لوزير الدفاع واستطلاعه والأمن القومي والسياسي . فهل سمع احدنا بشيء من ذلك ؟. مطلقا ! فلا توضيح ولا محاسبة ولا استقالات ولا إجراء وقائي لدحر أي فئة تعبث بأمن الوطن وحياة المواطن غدا . وواقع حالنا المرير يشهد أنه منذ انتخابات الرئاسة التوافقية على الرئيس " منصور " لم نلمس مطلقا على الميدان أي إشارة تدل على ملامح دولة مدنية دستورية نظامية قوية قادمة . كل ما لمسناه فقط خطابات ووعود عن مستقبل عامر بالخير وغد غامر بالسعادة في ظل دولة حقيقية فيها مواطنة متساوية وحقوق مصانة وعدل ورحمة . والوقع عكسه تماما , فما يحدث اليوم من حجم الاحتقان وشدة التوتر السائد لا يخفى على أحد , نرى رسائل التهديد المشفرة لبعضهم البعض مستخدمين كل أوراقهم لإحداث ضغط يؤدي إلى تغيير قناعات الخصوم والرعاة . فمنهم من يملك ثقلا قبليا لقطع الطرقات وإحداث توتر مع قبائل أخرى أو يسيطر على بلاطجة يدمرون المنشئات فيحدثون تذمرا وغضبا شعبيا لا حدود له , وغيرهم يمتلك قوة عسكرية وأوراقا خفية يبرهن بها على قدرته في إحراق الأخضر واليابس ومنها بعبع القاعدة التي تتجول في طرقاتنا مرتدية عباءة الإخفاء وتتنقل بين ربوعنا على بساط الريح , ومنهم من يحرك هيئات سياسية واجتماعية للتصعيد الميداني عبر حشود جماهيرية في فعاليات مؤثرة بين مؤتمرات ومسيرات واعتصام وعصيان مدني . مازال المتنفذون أقوياء يوجهون دفة الأحداث نحو أهدافهم في تحركات غريبة وتكتلات مريبة وتجمعات مشبوهة تدل على الإعداد لمواجهة غير سلمية , مازالوا يملكون مالا وسلاحا وحلفاء ومواقع تحت سيطرتهم الكاملة , ولديهم عملاء يفتحون لهم أبوابا مغلقة ومعسكرات محصنة ويمدونهم بما يسهل أعمالهم من معلومات ومعدات . خلال عامين مضيا شهدنا كل أنواع الخوف والدمار وبكل وسائل متاحة , طائرات بلا طيار تضرب , طائرات بطيار تتحطم , سيارات مفخخة , دراجات قاتلة , عبوات ناسفة , هجوم انتحاري ,والقائمة تطول وتطول والإبداع قادم , فربما يلجأ اليائس منهم إلى خطوة ستحطم كل بناء وتنهي كل حوار , وفيها سيكون " منصور " هدفا للاغتيال مما سيعيدنا إلى مرحلة ما تحت الصفر , فقتله سيحدث انتخابات لمن يخطط لها . وفوضى لمن يتمناها , وتفككا بين الشركاء وحملة انتقام بين الأعداء , وستضيع كل حكمة في ظل تنافس عنيف لتسمية الرئيس الجديد المنتخب وللانتقام ممن قتل الرئيس السابق المنتخب . ونستبشر خيرا مع تأكيدات الرئيس " منصور" بأن العملية الإصلاحية تسير بنجاح وستحقق غاياتها نحو دولة مدنية ووطن موحد , إلا أنني أثق أن ذلك لن يتحقق بالكلام وحده , بل لابد أن يصاحبه تطبيق حاد وعمل جاد , فالفرق بينهما لا يختلف كثيرا عن الفرق بين لقبي " مركوز " و " منصور " . فأيهما أنت رئيسنا الصبور الغيور ؟