الليلة تعقد "العصابة" اجتماعها الأخير لمراجعة مهمتها القذرة.. الليلة التي تشبه ليلتنا هذه عشية قبل ستة وثلاثون عاماً كانت العصابة منهمكة في توزيع الأدوار لتقوم بمهمتها ظهر الغد الحادي عشر من أكتوبر والذي سيكون اليوم الأسوأ على الإطلاق ، يومٌ توزّع الحزن فيه إلى بيت كل يمني لأن ما ستقوم به "العصابة" أشبه بحجب النور على وطنهم وإدخالهم في عمق الظلام والفوضى لأكثر من ثلاثة عقود أو تزيد .. في ليلة الثلاثاء الحادي عشر من أكتوبر لعام 1977م كانت اليمن تقبض على قلبها باضطراب ووجل من هول خطر يزحف عليه ليختطفه إلى الأبد ، كانت تشعر بحركة "الأفعى" التي تلفع وجهها بفحيحٍ خبيث اقشعرّ له جسد الوطن بأكمله .. كان الرئيس إبراهيم الحمدي يغرق في تفكير عميق ويراجع في ذهنه ما تم إنجازه من مشروع الدولة اليمنية الحديثة ، ثم يغمض عينيه بحنان وسكينة محاولاً أخذ نفَس طويل يخرج من صدره زفيرٌ مصحوب بكمية مكثفة من الهواء الذي كان آخر نسيم تستنشقه الجمهورية العربية اليمنية ليدخل إثرها في نوبة نعاس بعد استعراض واجباته للغد لإكمال المهمة العظمى وينجز حلم اليمنيين الذي قطع شوطاً لا بأس به . لكن "العصابة" التي تقودها الأفعى كانت قد أعدّت الكفن لليمنيين وحفرت ضريح مشروعهم الكبير وحلمهم الأجمل الذي كان الرئيس الشهيد في سعي حثيث لتنفيذه ، لقد كان رأس الأفعى مزوداً بالسُم الزعاف الممزوج بالعديد من المحاليل القاتلة المصنوعة بعناية في الداخل والخارج .. كانت الأفعى تزحف باتجاه قلب الرئيس وتعد الثواني التي تفصل الحمدي عن القبر لتحقق أكبر انتصار على المجتمع اليمني وتجْهز على هدفه العظيم لتحظر حاضره وتقتل مستقبله ولم يكن ينقصها سيناريو رخيص لتشويه تاريخه الأبيض قُتل الرئيس إبراهيم الحمدي مرتين الثانية كانت التي حاكتها يد القاتل وفرضتها على شكل رواية مهينة لم تتجاوز حبر البيان الذي كتبت به ، لقد كانت ذاكرة الشعب اليمني مشحونة بفيض من الحب والعاطفة لرئيسهم الشاب حيث كان يحدوهم الأمل أن ينجزوا معه مشروع الدولة اليمنية الحديثة ، لكنه اغتيل في الحادي عشر من أكتوبر لعام 1977م . ومنذ أن تضرجت اليمن بدماء رئيس جمهوريتها الثالث حتى كان الحزن يخيم على ربوع الوطن قبل أن يتم دفنه برماد الكراهية التي سعت إلى طمس كل معالم وآثار الراحل خلال ثلاثة عقود ، وطويت الجريمة حسب ظن فاعليها إلا أن آلاماً دفنت في صدور جمهور عريض من الشعب اليمني وبقيت طوال تلك الفترة نارٌ تحت رماد النسيان ، وما إن انفجرت الثورة الشعبية الشبابية السلمية في الحادي عشر من فبراير 2011م حتى امتلأت الساحات بصور الشهيد الحمدي وبدأ الصوت يرتفع متسائلاً : من قتل الرئيس؟ لكن سؤالاً آخر سرعان ما يُردف سريعاً : وكيف قتل إبراهيم الحمدي؟ وما كانت قضية الحمدي عن شباب الثورة ببعيد حيث تتذكر صفية الحمدي شقيقة الشهيد تلك المسيرة التي رافقتها العام الماضي في ذكرى استشهاد اخيها إلى مقبرة الشهداء والتي ذرفت فيها دموع الفراق قائلة "اليوم مختلف لأن دموعكم شاركتني بكاء إبراهيم هذا اليوم" واليوم يتجدد الحزن في ذكرى الجريمة الغادرة ويحيي الشعب اليمني أمل عودة الحلم الذي صار قريباً بتحقيق دولة النظام والقانون وحلمٌ مثله ولد يوم قتل الرئيس الحمدي .. أن يروا القاتل خلف قضبان العدالة .. وسيستمر الحلمان حتى يتحققا.