عندما يكون الرفض نتاجاً للخوف غير المعرّف بأبجديات المنطق ، واستدلالات المعرفة ، وقائماً فقط على أوهام الذات وتهويمات الغير ، واجترار زيف الاحتمالات ، وربط النتائج بالمخاوف لا بالمقدمات ، تتلاشى الحقيقة في أكوام الممكنات ، ويغدو الخوف نفسه ، وبلا تبرير، مسلمة كل المسلمات..!
تمثل (الحوثيفوبيا) اليوم ، دينياً واجتماعيا وسياسياً ، حالة مرضية متفشية في أوساط متعددة وبمستويات متباينة ، وفي الوقت الذي يمكن فيه تفهم بواعثها لدى بعض البسطاء والعوام ، لتواجدهم القسري في حاضنات معادية ، تعمل رموزها عمداً على إفشاء فيروساتها تجاه كل ما عداها ، تبدو الفوبيا النخبوية ، أمراً مستغرباً ومرضاً مستعصياً على العلاج ، لاسيما عندما يتعلق الأمر بشريحة من المثقفين والمفكرين والكتاب والصحفيين المستقلين ، فما أن يُذكر (الحوثي) أو إحدى مفردات جماعته في حضرة أحدهم ، حتى تبدأ تجليات المرض في الظهور ، فترتفع درجة حرارة العداء ، متجاوزة الأربعين نووية ، ويبدأ عرق الماضي والحاضر في التصبب ، وسد مسامات الإدراك الواعي ، كما ترتخي العضلات المعرفية ، وتصاب مفاصل التحليل الموضوعي بالفتور ، ومع فقدان الشهية للعدل والإنصاف ، يميل لون العقل للاصفرار والوجه للاحمرار..!
لكي يبدو (الحوثي) مذنباً ومخيفاً ، مهما قال أو فعل ، يحمله البعض ، وبسخافة ، وزر خصومة الشيعة بكل طوائفها ، مع السنة ، بكل جماعاتها ، والمسؤولية عن صراعات تاريخ إخفاق الإمامة وحاضر فساد الجمهورية ، بكل تعقيداتها ، كما يصوره البعض الآخر ، وبسذاجة ، تارة على أنه اللاعب الوحيد والمنفرد للبعد الإقليمي على الساحة الوطنية ، وتارة كونه أداة أمريكية تنادي بالموت لأمريكا من باب التقية..!
ينبري أحد المثقفين ، المدافعين عن المدنية الحديثة ، ليكتب لنا عن خطر الزيدية الدينية ، ممثلة في الجماعة الحوثية (المسلحة) على مثيلاتها القبلية والعسكرية التقليدية (منزوعة السلاح) مستقبلاً، ما يعني أنها ، بزعمه ، تمثل تهديداً جلياً ، وعائقاً حقيقياً أمام قيام الدولة (الموعودة) ، وكأنه يقرأ الوجود الحوثي على خلفية سويسرية لا يمنية..! بينما يتحدث الآخر عن مخاوفه من تصاعد النزعة الهاشمية ، وإمكان وصولها ، على أكتاف الجماعة الحوثية ، إلى سدة الحكم ، وإن بوسائط حديثة وديمقراطية ، وكأنه لم يكتف بخمسين عاماً من (العزل السياسي الهاشمي) ..!
يخطئ الحوثي وجماعته ولا شك ، كما يخطئ الجميع ، ما يجعله عرضة للنقد ، وموضوعاً للانتقاد ، ولكن ألا ينبغي أن يكون ذاك النقد في حدود الحدث ، والانتقاد في إطار الخطأ ، وألا يتجاوزه ، في كل مرة ، إلى سياقات شمولية مهترئة من التكفير والتخوين..؟ فإدانة الألعاب النارية وإطلاق الرصاص خلال الاحتفال بعيد الغدير ،على سبيل المثال، لا تتعلق من قريب أو بعيد باستحضار مفردات الخلاف المذهبي والطائفي ، ولا تحتمل الحديث بحال عن إيران وحزب الله..!
ومع أن كل حقيقة تمر بمراحلها الثلاث: السخرية ، المقاومة ، والانتصار... يكفي أن يظهر الحوثي على شاشة التلفاز قائلاً (السلام عليكم) ، حتى تبدأ ماكنة (الفوبيا) في العمل والاستهداف الديماغوجي، لتقرأ بعدها في عناوين الصحف: (الحوثي يدعي الإمامة) ، (إساءة علنية للصحابة) ، (سلام الحوثي موجه حصرياً للبطنين) ، ( قالها بلكنة إيرانية إثناعشر مرة)..!
عودة واعية للتاريخ ، ستجعلنا ندرك ، صدى تكرار حقيقة ، يهمس في آذاننا: هلك في (الحوثي) رجلان.. محب غال ، ومبغض قال..! دعونا جميعاً ، نتخلص من إفراط الأول ، وحماقة الثاني ، ولنتذكر ، أن العقل الضيق يقود دائماً للتعصب ، فعندما يكون الجهل سلطان ، والكراهية عنوان ، يصبح الدين هذيان ، والطاعة عصيان ، ويغدو الإنسان ألد أعداء الإنسان ، فبينما يذبحه (زيفاً) باسم الواحد الديان ، يقدمه قرباناً للشيطان..!