نحن والدنمارك وشعوب الكبسة

2013/11/06 الساعة 12:37 صباحاً

في النسخة الثانية من تقرير السعادة 2013 تمكنت مصر من تحقيق قفزة نوعية.. لكن إلى الخلف، بحصولها على المرتبة 130 من أصل 156 دولة شملها التقرير، الذي تعده الأمم المتحدة بمشاركة جامعة كولومبيا الأمريكية.. مبارك للفريق السيسي هذا الإنجاز، وعلى عينك يا مرسي!

المركز الأول احتكرته للمرة الثانية الدنمارك الدولة التي قاطعنا بضائعها بعد الجهاد الذي أعلنته المخابرات الأمريكية بسبب الرسوم المسيئة للرسول الكريم، تلتها النرويج ثم السويد وسويسرا.

(الحديث عن دور المخابرات الأمريكية في المقاطعة للبضائع الدنماركية طويل ومهم... ولابد أن قف معه ذات يوم).

"الإمارات" حصدت المركز الـ14 عالمياً والأول عربياً، تلتها عُمان وقطر الكويت، ثم السعودية، وأسوأ من تراجع مصر هو تعامل قناة العربية مع التقرير، إذ لم تتطرق إلى أن ممولتها التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج النفط تقف في الخانة 34 عالمياً والخامسة عربياً في تقرير السعادة، وسلطت أضواءها على التونسيين أنهم الأقل سعادة بين شعوب المغرب العربي، وكأن المغرب العربي يتكون من 100 دولة، مش خمس دول فقط، وتركيزهم على تونس لا يخلو من محاولة لإثارة الشعب التونسي ضد حكامه،   على غرار ما فعلوه في مصر، وأظن أن للتوانسة جواب جاهز هو: إلى أين أوصل دعمكم المصريين؟

قذف بهم الدعم الخليجي إلى قعر الشعوب التعيسة، ومنذ انقلاب 30يونيو ومصر لم تهدأ لساعة واحدة، والآن تدخل مرحلة انتفاضة الجامعات، وعلى آلة الموت أن تحصد أرواح الناس إرضاء لجنرالات الجيش.

(أتمنى أن أجد تقريراً عالمياً عن جودة التعليم، حتى أرى أين تقف دول الخليج).

نروح للشعب اليمني المطنن بعد القات، والمدوخ بعد الجرعات... اليمن في المرتبة 142 من أصل 156 في تقرير السعادة، الذي يعتمد على ستة معايير: دخل الفرد من الناتج القومي، متوسط العمر، الشفافية في المعلومات داخل المجتمعات، غياب الرشوة ومكافحة الفساد، مستوى الحرية في اتخاذ القرار، مستوى الكرم، بالله عليكم أيش معانا من هذه المعايير غير الأخير... الأول ما عاد ندور نصيبنا من الدخل القومي، يلااااا نتخارج من السلف والديون، المواطن مديون للبقالة والمؤجر والمقوت، والحكومة مديونية للبنك الدولي، والطالب يدرس سلف، والصحفي يكتب سلف، والممثل يمثل سلف، واللي يتزوج يستلف من نص خلق الله، وكلما تذكرت "غالب" رحمه الله أضحك وأبكي؛ حين تدللت عليه عروسته الأرملة بدفع شيء مقابل ليلة الدخلة، والرجل مستعجل يشتي يقطب أموره، خرج يدور لها شيء، ولم يجد أمامه غير "ماطور" الجيران، حمله لها، وبعد أسبوع كان يرجم لها بالشال ويقول: يا فتحية لصي للجيران وخلي الماطور عندك، والمرة تصيح كيف تشغل الماطور من وسط الغرفة.... بلاد حتى "الـ....." سلف!!

المعيار الثاني "متوسط العمر" أين عاد باقي بنا متوسط ونص الشعب يموت بحوادث مرورية، والباقي ملاريا وكساح وثأر وحوثي وشلل أطفال.. أما معيار "شفافية المعلومات" اللي يسمع اليمنيين يتكلموا بداية التخزينة يقول هذا مجتمع يعرف كل شيء، وبعد القات تشوف كل واحد مطنن بركن، واحد ينتف شنبه، واحد يأكل أضافره، واحد عطل التلفون وهو يعمل رنات... حرااااف، واحد يدور جنبية جده اللي مات قبل 70 سنة، واحد معه بصيرة انه "سيد"، واحد يشتي ينزل عدن يدور خاله اللي ضاع أيام الانجليز.

معيار "الرشوة والفساد" مثله مثل هيئة مكافحة الفساد.. بلا قيمة، لأن الفساد والرشوة عندنا أصبحت ثقافة وتحتاج إلى عمر طويل لاستئصالها، ومعيار "الحرية في اتخاذ القرار" هذا ما هلووووش أبداً، اليمني أبوه يختار له الجامعة، وأمه تختار له الزوجة، وفي صغره أمه تختار له الملابس، وأخته تمشط له، واليمنية ليس لها رأي بأي حاجة، حتى في الانتخابات تسأل أبوها أو زوجها من تنتخب، وأيضاً هذا المعيار لا يوجد مطلقاً في دول الخليج، هناك.. كبسة في، حرية ما في.

أما المعيار الأخير "مستوى الكرم" لو كان التقرير يكتفي به وحده، كنا بانزبط الجميع ونتربع في المركز الأول طول الحياة، لم أرَ شعباً كريماً وطيب النفس مثل اليمنيين، وفقرنا لم يمنعنا من الإخاء والمودة والتعايش والتكافل فيما بيننا، نحن شعب قرابة نصفه يعاني من الفقر المدقع، ومع ذلك آوينا أكثر من مليون صومالي، وأكثر من نصف مليون عراقي وسوري وأفريقي، وتعايشنا معهم، دون أن نطردهم أو نذلهم.

أما السعادة على معايير الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، فلن يفوز بها غير الخليجيين، فقد كان يرى أن السعادة تتكون من حساب بنكي كبير وطاهية ماهرة وهضم خال من المشكلات!

 

صحيفة الناس