يبدو أننا اعتدنا ضبط موجات وعينا اللاواعي ، على ترددات مراكز النفوذ ، وإعداد نبض مواقفنا حسب توقيت قنوات محطاتها التفاعلية ، وبرامجها الإنتفاعية المنحطة ، كمراهق تستهويه الإباحية ، في البث السياسي الهابط ... فمراكز النفوذ وحدها ، وفي سياق اتفاقها على الصراع أو اختلافها على الوفاق، من يلقي بحجر الأفعال ، وإن من باب الافتعال ، في مياه الجماهير المتخاذلة بالتناوب ، وبرك المعاناة الشعبية الراكدة ، بإخفاقات التجارب ، وهنا فقط تبدأ الحركة (أو الحراك) في الجسد الميت ، ومن مركز السقوط إلى الخارج ، كموجات من ردود الأفعال الساذجة حيناً، والمتصادمة في غالب الأحيان.!
لقد نجح (حماة) ثورة الربيع ، وخونتها من أصدقاء أعدائها ، والأغبياء من بعض أبنائها ، في خلق ذهنية جماهيرية مترقبة ويائسة ، وذاكرة شعبية قصيرة ومجزئة ، عبر إرباكها بمصفوفة أزمات متعاقبة ، باتت على إثرها تدرك وجودها فقط ، من خلال التناوب ، بين التفاعل اللحظي والانفعال المؤقت ، مع هذا الحدث أو ذاك ، وسرعان ما تنتهي وتتلاشى ، لا بانتهائه ، وإنما بانتهائها هي ، وفي كل مرة ، يقيد الحدث والذاكرة معاً ضد مجهول ، وهكذا ، عوداً على بدء ، ومجدداً بلا انتهاء..!
ها نحن نعيش –مرحلياً وبالتناوب- دراما (دماج) ، ونتفاعل معها ، إما بإندفاع نزق ، أو بتخاذل حنق ، بعد أن باتت فجأة ،ودونما إرادة واعية، أولوية في خندق الصراع السمج ، لتخلط علينا أمور ديننا المتردية ودنيانا المتهالكة ، وتربك بوصلة جهادنا المقدس ، وحوارنا الطاهر المنجس ، عن أحلامنا بدولتنا الحديثة الموعودة ، ومشكلاتنا الحياتية اللامعدودة ، كالأمن والعدل المفقود ، والمغترب المهان المطرود ، والفقر والمرض المعهود... دون أن ندرك – في عمومنا - أنها ليست إلا حجراً سياسياً متسخاً بالفتنة الطائفية ، ألقته رجالات متسخة بالنفوذ المحلي والإقليمي، في بركة العصبية المذهبية الجاهلة ، لتلافي تداعيات حجراً آخر ألقاه أحدهم في مستنقع الانقياد البغيض للجوار ، وبركة تسلط الشيخ القبلي الأكثر بغضاً..!
ما لم نستعد الذاكرة ، وحقنا في معرفة الحقيقة ، كرافعة للإرادة الجامعة، لنكن نحن من يقوم بالفعل ، ومن يلقي الحجر ، بعد أن نقرر ما الإيمان وما الكفر ، سنبقى كما كنا ، مجرد رد فعل ، لفعل يهزمنا حد القهر ، فما لم نكن المبتدأ لن نكون الخبر ، وبدلاً من رميها سترمنا الجمرات ، وتتساقط على رؤوسنا ، لفرط الإستحمار ، باسم الله والوطن ، كل الأحجار..!