تنزف الدماء وتتدفق أنهارها الحمراء ، فتخرج الرئاسة والحكومة ببيانات تحذّر من انجرار البلد إلى "المجهول" بعد ان تترحم على الضحايا وتتمنى لهم طيب الإقامة في أضرحتهم والنوم بسلام للأمانة وحتى لا يلحق الجور بالحكومة فإنها تقوم بجهودها –مشكورة – في تقييد الضحايا في سجلاتها الرسمية وتصدر تقارير شهرية وإحصاءات بآخر أرقام الشهداء الملتحقين بكشف الراحلين قنصاً.. للتذكير فإن عدد من تم تصفيتهم من الضباط الأمنيين والعسكريين اقترب من العشرة العاشرة كما كان يسميها أحد المسنين في قريتنا (عشر المئة) ، مما يؤكد ان الأجهزة الأمنية متفوقة في الرصد والحصر وتعداد الأكفان وترقيم القبور.. في عصرية يوم مخيف كنا نتلقى تصريحاً تحذيرياً لقائد منطقة عسكرية يقدم آخر المعلومات التي تفيد بأن جماعة مسلحة "القاعدة" على وشك احتلال مدينة حيوية تقع جزء من مسئولياته العسكرية ، كان يتحدث عن أن البيضاء على وشك السقوط في يد القاعدة أوئل الشهر الماضي !! أمرٌ غريب , حتى القادة العسكريين يحذرون!! يوم صعدت روح الدكتور عبد الكريم جدبان رحمه الله لم تتوانى الرئاسة والحكومة والقيادات الحزبية والكيانات الشبابية من إصدار بيانات ، كلها ذكرتنا بأن الشهيد الراحل "قتل بالرصاص" وأنه مسلحاً "يستقل دراجة نارية قتله" وأن "الجريمة تهدف إلى جر البلاد إلى المجهول" ، ولم تخلو البيانات من تعزية المفجوعين ومن أحرق الحزن قلوبهم من أسرة ومحبي الدكتور المغدور به ، والتحذير كان الأبرز في البيانات ... حتى الرئيس والحكومة وقيادات الأحزاب يحذرون!! من بقي إذاً لم يحذّر؟؟ يتحدث المرء بألم عن وضع متدهور وعن نزيف يومي للدماء وعن استمرار إخفاء الأحياء وحفر القبور في ظل عجز مخزي وفاضح لحكومة لا تجيد سوى الشكوى المواطن يدرك أكثر من بعض حاكميه حجم المصائب التي تمر بها البلاد فلا ينتظر من السادة الوزراء والجهات ذات العلاقة أن تحذّره أو تندد بما يحدث ضده وحوله وعليه السادة الوزراء يجيدون فقه الدوام ، يجلسون على كراسيهم وكأنهم في وضع طبيعي متناسين أنهم في ظرف استثنائي وخطير ، ماذا لو نزلت الحكومة الموقرة وعقدت جلسة طارئة في صعدة وجمعت الأطراف وأوقفت شلالات دماء الأخوة الأعداء التي تسيل وقامت بدورها في بسط نفوذ الدولة !! ماذا لو نزل وزير الداخلية إلى أقسام الشرطة وزيارة إدارات الأمن في المحافظات والدوام يوماً واحداً في كل محافظة والوقوف مباشرة مع المشاكل الأمنية ومكاشفة الشعب بالأجهزة الأمنية الموازية المستنسخة التي تظهر لمساتها البارعة في كثير من العمليات النوعية التي تضرب "تحت حزام الوطن" كما فعل ذات يوم برفقة رئيس جهاز الأمن القومي لحظة القبض على السفينة "جيهان"؟ كل وزير بحاجة إلى أن ينقذ نفسه من الوساوس التي تصب في أذنيه بأنه مستهدف وأن عليه التحرك بحذر وأن شاطئ جهودهم يكمن في إصدار بيان يحذّر!! كان الصحفي القدير نبيل الصوفي يكتب في صفحته أمس في الفيس بوك ناقداً البيانات المنددة بجريمة اغتيال الدكتور جدبان "يتفاجأون وكأننا في السويد" هكذا قال نبيل عن استغراب الجميع من هذه الجريمة التي جاءت في ظل وضع متدهور وحكومة لا تجيد غير البيانات أظن أن الوضع من الخطورة بمكان يحتم على الجهات الأمنية سرعة مكاشفة الشعب بهوية الجهات التي تقوم بهذه الجرائم واتخاذ اجراءات ملموسة ضدهم كما يخول لها القانون وتقتضيها الضرورة الإنسانية والوطنية ، وكسب ثقة الشعب ليكون سنداً قوياً لها حين يثق أنها تعمل لصالحه سياسة الشكوى قتل من نوع آخر ، وفي فقه القانون فإن الجريمة لها فاعلان أحدهما يقوم بارتكابها مباشرة فيما الآخر لا يقل جرماً عنه وتهمته "المسئولية التقصيرية" ، كما لو ان طفلاً مات بعد أن امتنعت أمه عن إرضاعه ثم تقول لم أقم بقتله!! ، التقصير في القيام بواجب الحكومة والإهمال والشكوى كتلك الأم التي حرمت طفلها الحنان والحليب فهي قاتلةُ أيضاً والعجز أول سهم يوجه لصدر الضحايا.. صباح الخير يا حكومة!!