أحييكم أيها اليمنيون في هذه الذكرى .
اسمحوا لي أن أتحدث إلى حضراتكم اليوم حديث الذكرى التي نعيشها ، ذكرى الاستقلال ورحيل المحتل البريطاني الذي جثم على صدر هذا البلد ( 128 عاما) منذ العام 1839 - 1967 م ، حتى أصبح يوم الثلاثين من نوفمبر من كل عام يوم للذكرى ،واحتفاء بالرحيل واستقلالا للكيان ،ذاك الاحتلال الذي نهب الخيرات وبدد الثروات وغرب الثقافات وحرف الأخلاق والتصرفات. الاحتلال الذي تظافرنا على طرده وأجمعنا على مغادرته وأيقنا بضرورة ترحاله .
لقد تشربت فطرنا السليمة فكرة الاستقلال الذي لقنَّا إياه ديننا وسرت في عروقنا وتسللت في أفكارنا فنحن نعشق الاستقلال مهما أسرتنا العبودية ، ومهما حاول المحتلون استعبادنا فنحن امة تعشق الحرية وتتعبد الله بها وعلى ذلك رباها نبيها عليه الصلاة والسلام. وهتف قادتها عبر الـتاريخ " متى استعبدتهم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا".
أفبعد هذه التربية العميقة المتغلغلة في الجينات ترانا ننحرف عن فكرة الاستقلال ونرضى بالذل والاستعباد.
من هذا المنطلق انطلق الأجداد عدتهم عقيدة راسخة وإيمان عميق ونصر من الله محقق .
واليوم أيها الاخوة: وبعد 46 عاماً على هذه الذكرى ، ونحن نعيش حصاد الأجداد وثمرات الصبر والصمود ما زلنا نتساءل : هل تحررنا فعلا من الاستعمار ؟!! هل هذا الذي أراده الأجداد للأحفاد . هل فعلا نعيش اليوم لذة الاستقلال ونقطف ثماره أم أن الأبناء أضاعوا إرث الأجداد واستبدلوا محتلا بمحتل .نعم استبدلوا محتلا بمحتل.
أيها الأجداد : لقد طرتم الاستعمار فأرجعناه ، وما اشتريتموه قد بعناه ، ومن أخرجتموه قد استبدلناه ..
لقد رحل الاستعمار لكنه لم يرحل . رحل بجسده وبقي بثقافته وفكره ، بقي الاستعمار الذي غزى عقولنا ، وغزى ثقافتنا ! وشوه حقائق تاريخنا ، استعمار الفكر والقيم التي حلت بدلا عن قيمنا وأخلاقنا !!
لقد وقع الألاف من أبناء جلدتنا أسرى في يد هذا الغزو الثقافي الذي أفقدنا هويتنا وانسانا صبغته أمتنا فمتى نستعيد أسرانا ونعلن استكمال استقلالنا اليوم .
الاستقلال الحقيقي الذي ننشده يوم نمتلك غذاءنا ودواءنا وسلاحنا ( فلا استقلال لشعب يأكل من وراء حدوده) .
الاستقلال الحقيقي يوم نعتز بانتمائنا ونعلن في الملاء هويتنا ?أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ? {آل عمران/83}
الاستقلال الحقيقي يوم نتحرر من الطغاة والمستبدين الذي أكلوا خيراتنا ونهبوا ثرواتنا وأفقدونا انسانيتنا .
الاستقلال الحقيقي يوم نسقط الظلم من أخلاقنا ، ونرَحّلُ الفساد من طباعنا ، ونطرد الإهمال من سلوكياتنا واعمالنا .
أيها الاخوة: لا داعي للمزايدة في معنى الاستقلال فنحن أمة تربينا على معناه ونشأنا على فحواه .
أيها الإخوة : إن كنا تخلصنا من محتل غريب كان يحتل بلدنا، فإنا مازلنا محتلون من الداخل:
احتلتنا الأخلاق الغريبة والتصرفات الهوجاء والنفسيات المريضة والمشروعات الضيقة .
احتلتنا النفسيات الحاقدة والعصبيات النتنة ،والنزعات المريضة، والنوايا السيئة .
إن هذا الوطن الذي حرره أجدادنا وبذلوا في سبيله الدماء ، ومزقوا لاستقلاله الأشلاء حري بنا أن نكون اكثر الناس حبا له وانتماء. وغيرة ووفاء.
فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن وصدعوا رؤوسنا بالوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة للوطن والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!! أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية!.
لمصلحة من هذا التخريب المنتشر هنا وهناك . لمصلحة من تعطيل الخدمات .لمصلحة من قطع الطرقات والاغتيالات . لمصلحة من نشر الاضطرابات . لمصلحة من اشعال فتيل النزاعات والنفخ في الخلافات .
هل نشكو محتلا خارجيا أدركنا أم أننا نشكو أبناء الوطن وقوم تربوا في هذا البلد واكلوا من خيراته ونشأوا على ترابه . هل هكذا يكون الجزاء وحب الانتماء.
لمصلحة من هذا العبث والاستهتار لمصلحة من هذا الاهمال الذي فتت ثروات هذا البلد ..
نهب منظم للآثار .. عبث منظم بالمياه . سرقة واضحة للبحار . بعثرة واضحة للجهود .الا يبهرنا أن ينهض اليابانيون بعد الحرب العالمية يصارعون الدمار ويكافحون المرض الذي حل بهم ليبهروا العالم بعد خمسين سنة من الجد والعمل المتواصل. الا يبهرنا الأتراك وقد حولوا بلدهم إلى دولة تعطي ولا تأخذ ، وتساعد ولا تستدين . الا يزجرنا أن ينهض كل مواطن في العالم ليعطي بلده يفخر بالانتماء إليه.. في حين يسارع بعضُنا للانتقام من البلد ليقضي على ما تبقى من بناه التحتية ؟.أطفال يقطعون الطرقات وكبار ينفذون الاغتيالات .
حب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطًا لا انفكاك منه.
حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله ، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع.
أيها اليمنيون حافظوا على ميراث الأجداد فالاحتلال هو من غرس فكرة (فرق تسد) فإياكم ان تنفذوا فكرته وترفعوا شعاره وترددوا كلامه .
عاش الين قويا موحدا صامدا .
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).