تاكسي من عدن!!

2013/12/16 الساعة 09:07 مساءً

كان واقفاً بسيارته الأجرة في الضفة اليمنى من جولة الجمهورية .. - ممكن لو سمحت إلى شركة النقل ؟ تفضل أكيد نحن هنا من أجلك، كان يتبعها بابتسامة صافية .. رجل ستيني ربما هكذا تتحدث ملامح وجهه أو تكاد ، ويشهد بذلك شعره المشتعل شيباً لم يكن بيننا من حاجز نفسي فقد كان يتحدث بلهجة مدجنة مجمّعة لسانه عدني وقلبه أيضاً لكنه يجاريك في النقاش بلهجتك المنسكبة من لسانك ربما يريد زرع الألفة بينكما أكثر وقد فعل ، ولأنه حقاً شرب من ماء صنعاء فوق عشرين عاماً "ابنتي الثالثة من مواليد صنعاء" هكذا أكد لي فقد اتضح سر حديثه المتنوع.. من سائق الأجرة يا رفاق؟! "رتبتي عقيد تخرجت من روسيا وأعمل في مطار عدن" هكذا دفعة واحدة تكتشف أن ذلك القابض على مقود سيارة الأجرة يمتلك مهارات عالية أهلته لأن يكون صديقاً للطائرات أو عضواً فاعلاً ومهماً في عائلة نسور الجو ، أنت تنظر إلى أحد كوادر مطار عدن يا هذا فانتبه!! كانت الدقائق التي جمعتنا مليئة بالشكوى والوجع ، الرجل يتحدث عن وضعه المادي ليس كشخص ولكن كنموذج يشبهه الآلاف ممن هم على شاكلته ، وتحدث بألم عن وضعٍ مأساوي خلفته الحكومات المتعاقبة حتى انه بات مقتنعاً بأن حلمه متوقف عند "وضع أفضل أتمناه لأبنائي، لأن زماننا قد ولى" وكأنه ينظر إلى الأفق ليقرأ لحظة الغروب التي أصبحت أضيق من أن يحلم لنفسه بحياة كريمة لا أمل للرجل في الزمرة ولا الطغمة ولا الفلول ولا شباب الثورة ولا مؤتمر الحوار ولا فصائل الحراك ، لقد عقد صداقة حميمة مع سيارة الأجرة تفصلها ساعات الدوام في مطار عدن الدولي ويكفيه أن يعيش همّه متخلياً عن دوشة الجميع!! حسناً ..لقد وصلنا رافقتك السلامة يا صديقي. *** قالت التسريبات أن قيادات في مؤتمر شعب الجنوب تساوم على شركة اتصالات لا سلكية تعزز حلم الجنوبيين بمسماها الذي قال صاحب المشروع أنه يفضل أن يكون "الجنوب تل" يرى هذا القائد أن من الوفاء لسائق التاكسي العقيد طيار أن يوفر له شريحة الجنوب تل ، ولا ضير في أن يملكها "فلان" فنحن أبناء الجنوب أحق بالغنى في أرضنا ولو على حساب قضايانا وربما مثل هكذا شريحة تضفي الفرحة لسائق التاكسي فيموت وقد حقق أمنية لم تدر على خلده : أن يتصل بشريحة "الجنوب تل" ثم يغادر الدنيا قال الرفاق من ممثلي شعب الجنوب في مؤتمر الحوار أن هناك "مقاولون" نفعيون يتاجرون بالقضية الجنوبية ، وهو ما يصرخ به حال سائق التاكسي ، أن الكل مستميت في التضحية به والصعود على اوجاعه المتراكمة وأنه الخاسر الوحيد لأنه هو الوطن ، وأنه الغائب البعيد عن ألعاب السياسيين وأطماعهم ومشاريعهم وما يخططون له.. من يتحدث باسم الجنوب!! لا زالت كلمات سائق الأجرة تبحث عن تفسير لكل هذا العبث !! لا زالت الدهشة تتساءل "لماذا كلما ضاقت مصالحهم اتجهوا لتحشيد المواطن البسيط الغلبان"!! ، ولما يلجأون إلى نزع أمعاءنا ليلفوا بها أقدامهم وخناجرهم التي لا يملون من غرزها في خاصرة المواطن والوطن ، ولماذا نحن من يدفع الثمن على الدوام فيما كل مضارباتهم لم تتجاوز "شريحة تل" ليكشفوا أن الوطن بالنسبة لهم ليس إلا مجرّد اتصال بطرف خفي يحقق مصلحة مشبوهة وجد فيها ابن الجنوب نفسه مجرّد "كرت" بدفع مسبق تحول لرصيد أشخاص معدودين!!