ما جرى في الضالع يوم الجمعة (27/12/ 2013م) من اعتداء عسكري على مجلس عزاء كان المواطنون يقيمونه لأحد شباب الحراك الذي قتل على أيدي رجال الأمن، هذا العدوان العسكري الذي ذهب ضحيته العشرات بين قتيل وجريح، يطرح العديد من الأسئلة حول: مكانة المؤسسة العسكرية في المعادلة السياسية، ووظيفتها، ودورها وعلاقتها بالشعب.
عندما يأمر قائد عسكري قواته بإطلاق النار على مواطنين آمنين جاءوا ليتبادلوا أحزانهم عما تفعله بهم قوات الأمن، التي يفترض أنها جاءت لتحميهم، فإن هذا يعني أن مستوى القطيعة بين هذا الجيش وبين الشعب قد بلغ ذروته وإن أي حديث عن انتماء الجيش إلى الشعب هو حديث بلا معنى، وإن مقولة "الجيش الوطني" هي مقولة زائفة بكل ما للزيف من معاني وأبعاد.
لم يخض الجيش اليمني أي معركة على الحدود أو في المياه الإقليمية حماية للسيادة الوطنية وحفظا لكرامة الوطن، والمعركة الوحيدة التي خاضها كانت في جزيرة حنيش في العام 1995م مع القوات الإريترية وقد سلم الجيش "المغوار" الجزيرة لثلاثين جندي إيريتري ينتمون لجيش لم يمض على تكوينه خمس سنوات كاملة، لكن مغوارية هذا الجيش تتضخم وتتضاعف عندما يواجه مواطنين يمنيين عزلا من السلاح، إنه يتحول إلى قوة ضاربة تفتك بالعشرات وتسحق المنشآت وتقتل النساء والأطفال في "بطولة نادرة".
لقد أنشئ الجيش اليمني، ومعه الأجهزة الأمنية، على عقيدة الحفاظ على النظام، وليس الحفاظ على الوطن، وأحيانا يجري الخلط بين الوطن والنظام، فيوهم الجنود والضباط إنهم وهم يدافعون عن السلطة وسياساتها، إنما يدافعون عن الوطن، لكن الأسوأ إنه عندما يجري الخلط بين النظام ومصالح أفراد النظام تصبح حماية مصالح هؤلاء الأفراد ومنشآتهم واستثماراتهم هي البديل عن حماية الوطن، وما يزال الناس يتذكرون ذلك القائد الذي يؤجر جنود فرقته لحراسة الشركات النفطية مقابل ألف دولار لكل جندي، تذهب إلى جيب القائد، دون أن يعطي دولارا واحدا للجندي (ولا لخزينة الدولة بطبيعة الحال) وأمثال هذه الحالة المئات من الأمثلة.
هذه التنشئة أفرغت لدى أفراد القوات المسلحة والأمن أي إحساس بالفخر بالانتماء للوطن، وربما تباهى البعض بولائه للقائد الفلاني أو المسئولي العلاني، لكن هذا فقط في ظل المصالح التي يجنيها هذا الجندي أو هذا الضابط من ذلك المسئول أو هذا القائد.
كل هذه الأسباب وغيرها تبين لنا سبب الهزائم المتتالية التي مني بها الجيش اليمني في أي مكان يخوض أي معركة ولو صغيرة ابتداء من المعركة مع الإريتريين في جزيرة حنيش، ثم الحرب مع القاعدة، وحتى الحروب العديدة مع الحوثيين في صعدة، مما يعني إن هذا الجيش لا يمتلك إلا مؤهلا واحدا هو البطش بالمدنيين والاعتداء على المحتجين.
ما جرى يوم الجمعة الماضية في محافظة الضالع، عمل مشين بكل المقاييس، وهو يفوق في بشاعته ما تفعله القوات الإسرائيلية مع المقاومين الفلسطينيين، والفارق هنا إن الجيش الإسرائيلي يرى فكل فلسطيني عدو فهو يقاتل أعداء معلنين لا يعلن انتماءه إليهم، والفارق الثاني أن الجيش الإسرائيلي لا يعتدي على المدنيين إلا في حالة الحروب الشاملة، أما جيشنا البطل فإنه يقتل المدنيين في مجلس عزاء بينما ينسحب في دقائق أمام جماعات تنظيم القاعدة يسلمهم المدن والمعسكرات بما فيها من عتاد وأسلحة وذخيرة ومصانع أسلحة، . . إنظروا مدى الروح البطولية لهذا الجيش المسمى زورا وطني.
يتساءل المواطنون الجنوبيون عن مدى العلاقة بين ما يدور من حديث عن التمديد لعبدربه منصور هادي لسنتين قادمتين، وبين ما شهدته محافظة الضالع بالأمس، وهل فعلا يتقاعس الرئيس عبد ربه عن مساءلة القادة العسكريين عما يفعلون مقابل التمديد له لسنتين قادمتين؟ ومن الأسئلة التي تثيرها أحداث الضالع وما شابهها: مدى ضرورة وجدوى وجود معسكرات الجيش في المدن، وهل وجود الجيش في الضالع يأتي في إطار النظر إلى الضالع على إنها منطقة حدودية؟
لقد ثبت إن وجود معسكرات الجيش في المدن ومنها اللواء الرابض على صدور المواطنين في الضالع لا وظيفة لها إلا أيذاء المواطنين وإحصاء حركاتهم وسكناتهم وتعكير صفو حياتهم، ومن هنا تصبح المطالبة بإبعاد المعسكرات عن المدن ونقلها إلى الحدود أمرا مشروعا وضروريا، ويحق لنا التوجه هنا بالدعوة إلى جمع مليوني توقيع من الجنوب للمطالبة بنقل اللواء 33 من الضالع بعد كل الجرائم التي ارتكبها في حق المواطنين الآمنين العزل من السلاح، كخطوة على طريق إخلاء المدن اليمنية من أي وجود لمعسكرات الجيش.
يستطيع الرئيس عبد ربه منصور أن يكسب سنتين وربما أكثر من التمديد على منصب رئاسة الجمهورية، لكن ليس مقابل الصمت عن دماء الجنوبيين التي تسفك على أيدي رجال قواته المسلحة، بل إن تصديه للجرائم التي ترتكب باسمه وتحت رئاسته ومحاسبة المتسببين فيها سوف يكسبه احترام المواطنين في الشمال والجنوب على السواء، لكنه أيضا سيجعل القتلة والمستهترين يحسبون حساب لكل خطوة يخطونها في مواجهتهم مع الشعب، أما السكوت عن تلك الجرائم فإنه من المؤكد سيقصر من عمر وجوده على كرسي الحكم حتى لو أوهمه القتلة بإنهم يدافعون عنه، فهم أول من سيتخلى عنه عندما يهب الشعب لمساءلته عن الجرائم التي ترتكب تحت رئاسته، وفي غفلة منه أو بعلمه.