جريمة "العرضي" والقاعدة وفك الارتباط

2013/12/29 الساعة 09:11 مساءً

لايزال تأثير العمل الارهابي الوحشي لجريمة مستشفى العرضي، الذي راح ضحيته اكثر من (270) بين قتيل وجريح في 5 ديسمبر 2013م، وما تضمنته مقاطع الفيديو، الذي بثته وسائل الاعلام اليمنية من مشاهد وحشية ، مهيّمن على عقول الناس بكل ما افرزته تلك الجريمة من تأثير نفسي جراء القتل الوحشي، والهمجي للأبرياء، الذي لم يألفه اليمنيون من قبل في الجرائم الارهابية التي يرتكبها تنظيم قاعدة جزيرة العرب في اليمن، او تنظيم انصار الشريعة الوجه الآخر له، وان كانت الشكوك تساور المواطنين في الاوقات السابقة،  حول اهداف بعض العمليات المنفذه سابقاً على أنها تحمل، وتخدم اهداف سياسية تصب لمصلحة بعض القوى السياسية، او الدينية إلا ان حقيقة هذه الشكوك تعززت هذه المرة عند الكثيرون منهم لتفك الطلاسم، والغموض الذي يعتري جريمة العرضي، وليكشف الجهة، او الجهات المنفذه لها.

التخبط الإعلامي، والبيانات المتناقضة، التي صدرت عقب ارتكابها، والتهيئة الدعائية التي سبقت تنفيذها، والتبريرات المتناقضة التي سبقت فترة بث مقاطع تصوير الفيديو ووحشية القتل الذي قام به الجنود في المستشفى، وبيانات التبرؤ من هذه الجريمة، والاعتراف، والاعتذار الذي جاء في كلمة مرئية للمسئول العسكري لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، قاسم الريمي، أبو هريرة الصنعاني، حول عملية اقتحام وزارة الدفاع، وبثته مواقع الانترنت السبت  21 ديسمبر، لم يًحسن من صورة القاعدة عند المواطنين،  بل زاد من غضبهم، نظراً لشدة وقوة الفاجعة  وما زرعته من حاجز، ومانع نفسي في نفوسهم الى جانب ان حالة التخبط رسمت صورة سيئة عن حقيقة الجهاد المزعزم لتنظيم (القاعدة)، وخطابها المؤثر عند الشباب، ولن ينفع مع ذلك التحول، او يمحوه اعتذار التنظيم، او دفعه ديات القتلى بل ان جريمة، (فضيحة العرضي في نظر انصاره) كانت لها نتائج غير متوقعة، وكشفت الاعيب قادة تنظيم ( القاعدة )، ومدى استخدامه من قبل الاطراف السياسية كاداه خفية من ادوات الصراع، والضغط السياسي، ومغالطة الشباب وتضليلهم بأفكار لأتمت بأهداف الجرائم الارهابية التي ينفذونها أي صلة، وكأنهم دمية تتحرك آلياً لتنفيذ ما يُطلبه منهم قادة التنظيم، ابتداءً من مهاجمته الجيش في الجنوب، ومجزرة السبعين، ومجزرة كلية الشرطة بصنعاء، وانتهاء بجريمة مستشفى العرضي وقتل المرضى، وبما تؤكده صورة الارهابي الذي كان يقتل كل من يراه في طريقة، امرأة، او رجل، او طفل دون تمييز، لتتحول تلك المشاهد التي ادمت القلوب  الى نتائج، وواقع مؤلم، ومدمر للتنظيم، قد يقود الى اشعال صراع بين انصاره، وتياراته المحلية، والإقليمية، والتناحر في ما بينهم، وما التكتم على الاختلافات والتباينات التي برزت بين عناصره في المحفد بابين الاسبوع الماضي، وتحولها الى صراع مسلح بينهم، والذي تزامن حدوثته مع بث التسجيل المصور للقائد العسكري لتنظيم "قاعدة الجهاد بجزيرة العرب"، إلا مؤشر لتلك النتائج والتهاوي المرتقب للتنظيم.

كما ان ملابسات الجريمة، وماتناولته الوسائل الاعلامية في يوم ارتكابها من نشر اعلامي مخيف لصرف الانظار عن مكان الجريمة، وما سبق تنفيذها من تهيئة دعائية،  ودعم لوجستي، وتسريبات عن مخطط لإسقاط وزارة الدفاع، والعاصمة صنعاء، يكشف ان الهدف من تنفيذها كان اكبر بكثير من الاهداف المعروفة، وما يروج له التنظيم ًسابقا سوى المنفردة منها، اوتلك المشتركة المرتكبة في المعارك التي دارت بين التنظيم، والجيش في محافظات أبين، والبيضاء، وحضرموت، ليؤكد  ان الهدف منها يرتبط بإجهاض التسوية السياسية في اليمن، ويخدم بعض التيارات السياسية، والدينية، وان إصرارها على نسفها قد قاد أحد الشركاء في الجريمة (ان لم يكون اكثر من طرف) لتضليل تنظيم (القاعدة) وتحويله من اداة صراع كان يستخدم بالنيابة  سابقاً بصورة مباشرة، او غير مباشر ليصبح جسر عبور لتنفيذ المؤامرات، وتحمل أي تبعات لفشلها، وهذا ما اظهرته صور مقاطع الفيديو في جريمة مستشفى العرضي عند ظهور احد الإرهابيين، وهو يقوم بالتصفية الجسدية للأطباء، والمرضى، وكأنه يبحث عن شخص محدد (الرئيس لاغتياله او شقيقة محمد لاختطافه ولي ذراع الرئيس)، خصوصاً ان توقيت تنفيذ الجريمة سبقه تهيئة بإشاعة ارتكاب جرائم الاختطافات، والتي انتهت حادثة اختطاف لنجل مسئول محلي مباشرةً بعد فشل جريمة العرضي.

هناك كثير من المؤشرات التي تؤكد وقوع القاعدة في فخ الشريك الآخر (المستفيد من نتائج الجريمة) في حال نجاح تنفيذها للهدف المرسوم، من خلال تضليل التنظيم بمعلومات مغلوطة لمواقع وهمية ( مراكز السيطرة للطائرات بدون طيار )، وهذا ما يتجلى بوضوح من خلال مقدمة الاعتذار للقائد الميداني لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب قاسم الريمي ابو هريرة الصنعاني الذي تضمنته مقاطع الفيديو المصور الذي برر فيه الخطأ، وتنبيه التنظيم لثمانية من عناصره، وعنصر آخر لم يلتزم الذي قد يكون مرشد، او من طرف الشريك، حيث قال القائد العسكري لتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، قاسم الريمي في رسالته المصورة التي نشرت عبر الانترنت "نحن هنا اذ نعترف بالخطأ والذنب نقدم اعتذارنا وتعازينا لذوي الضحايا"، مؤكداً "إننا نبهنا إخواننا وأكدنا عليهم أشد التأكيد أن في المجمع مصلى ومستشفى وعليهم الحذر من دخول المصلى والمستشفى فتنبه لذلك ثمانية من إخواننا ولم يتنبه أحد إخواننا رحمه الله وغفر له، ونحن هنا إذ نعترف بالخطأ والذنب نقدم اعتذارنا وتعازينا لذوي الضحايا".

تباين وتناقض المواقف الصادرة من بعض الاطراف عقب تنفيذ الجريمة الذي بدء بالتبرؤ، او الوقوف خلف تنفيذها، وانتهاء بالتبني، لا يعكس إلا حالة الوهّن  والنتائج المؤلمة التي طالت علاقة الطرفين، والتي ادت الى خلق واقع، ومؤشر جديد قد يفضي الى فك ارتباط التنظيم بحلفائه السابقين والسعي لتحسين صورته السيئة وما لحقها من تشويه في نظر المجتمع، وخصوصاً الشباب ليتحمل وحده  المسئولية الكاملة عن ما حصل، كما ان التسوية السياسية، والأحداث الاخيرة قد ربما تقود بالوضع السياسي في اليمن الى خلق واقع جديد لتجد بعض الاطراف (العائقة لمسار التسوية ) نفسها امام مأزق ستسعى فيه لإعادة صياغة تحالفاتها المشبوهة مع التنظيمات الارهابية المبنية على تقاطع المصالح  خصوصا في ظل معلومات سربت عقب الحادث عن اعتقال ( 8 ) افراد من منفذي العملية، والتي قد تقود التحقيقات معهم لكشف بعض الخفايا، مما سيؤدي فعلاًً الى وضع التنظيم في مأزق لإعادة النظر في تحالفاته مع بعض القوى التقليدية، والدينية بعد ان تكتشفت حقيقة صورتها للعامة،  واهدافها، وخطورة ارتباطاتها، واستخدامها من قبل التيارات السياسية كغطاء لممارسة أنشطتها الارهابية، وما يعزز هذه الفرضية غياب المواقف الوضحة من قبل بعض القوى الدينية، وعلماء الدين والبارزون، وصمتهم المريب، وعدم اصدارهم أي فتوى دينية لنسمع عن موقف لهم من ارتكاب الجريمة، والذي يأتي في مقدمتهم العالم الاسلامي الشيخ عبدالمجيد الزنداني، لاسيما بعد تفاعل علماء ألمسلمين وكل المراجع الدينية، والإسلامية مباشرة،  وتنديدهم بالجريمة، وإصدارهم الفتاوى التي تُحرم ارتكاب مثل هذه الجرائم، وكان آخرها ماقاله المفتي العام للمملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ خلال محاضرة القاها الاسبوع الماضي في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض:  إن من يفجر نفسه بالأحزمة الناسفة "مجرم عجل بنفسه لنار جهنم"، واصفًا العمليات الانتحارية بحسب ماتناقلته وسائل الاعلام السعودية بأنها "من وسائل اعداء الاسلام للفتك بشباب الاسلام"، وقوله: " إن قتل النفس "جريمة كبيرة من كبائر الذنوب، والذين يقتلون أنفسهم بهذه النواسف هم قوم مجرمون عجلوا بأنفسهم لنار جهنم".

تطور الأحداث، والمواقف لتنظيم (القاعدة)، وما لحق بشركائه من صفعات مؤلمه لأ نستشف منها إلا ان ارتكاب جريمة مستشفى العرضي قد رسم  بدايةً للطريق لانفراط عقد التحالفات الخفية بين تنظيم القاعدة، وحلفاؤه من القوى السياسية، والتقليدية، والدينية، والاتجاه نحو فك الارتباط بينهم ، والذي لاشك من انه سيمثل درساً قاسياً للتنظيم وخلخلة بنيانه التنظيمي، بعد بروز بعض المؤشرات لانعكاسات هذا الانفراط وإسهامها في توضيح الرؤية عند الشباب والتأثير عليهم بالايجابية ليعودوا الى جادة الصواب، والتخلي عن الافكار المتطرفة، وترك تنظيم (القاعدة)، بعد ان اتضحت، وتبينت الاهداف الخفية لقياداته، واستغلالها لهم كأدوات متحركة  ليرتكبوا الجرائم المحرمة باسم الدين، وهو برء منها، لتصب في مصلحة اطراف سياسة اخرى.

[email protected]