هل الجيش اليمني جيش وطني؟؟

2013/12/30 الساعة 10:28 مساءً

كنت في مقالتي التي نشرت الاسبوع الماضي في أكثر من موقع إلكتروني والمعنونة بـ"الجيش اليمني يقتل الشعب" قد أشرت إلى إن " مقولة "الجيش الوطني" هي مقولة زائفة بكل ما للزيف من معاني وأبعاد" ولتأكيد صحة هذه المقولة ساتناول في ما يلي مجموعة من المؤشرات التي تؤكد صحة مقولة إن الجيش اليمني ليس جيشا وطنيا.

1. إن معظم مكونات الجيش اليمني هي هبارة عن مؤسسات لا تخضع لقيادة مركزية وكل قائد وحدة هو المسؤول الأول عن وحدته ويتصرف معها كما يتصرف مع شركاته واستثماراته، يجري تشغيل الجنود وبعض الضباط في المؤسسات الاستثمارية التابعة للقادة ويتقاضون رواتبهم وحوافزهم من تلك الوحدات، بينما تذهب الأرباح والعائدات التي يحققونها للقاد ة (ملاك المؤسسات والاستثمارات).

2. غالبا ما يستخدم أفراد الوحدة العسكرية من قبل القائد للزج بهم في نزاعات وحروب على خلفية نزاع القائد مع مواطنين أو قادة آخرين وتصفية خلافاته مع خصومه، واستخدامهم كأداة لتعزيز نفوذ القائد وهيمنته بدلا من الاهتمام بقضايا الوطن والسيادة الوطنية والتصدي لأي مساس بسيادة الوطن، فضلا عن إن معظم إن لم يكن كل وحدات المؤسسة العسكرية يمثل القوة الضاربة في وجه الشعب عندما يتعلق الأمر بأي محاولة احتجاجية أو اعتراضية ولو سلمية على سياسات النظام غير السوية.

3. إن القائد ليس فقط مسئولا فنيا وعسكريا وقائدا قتاليا ميدانيا لوحدته بل إنه المسئول المالي والإداري ومشرف المستودعات لتلك الوحدة: يتصرف بأموالها ومنشآتها ومخازنها والمواد العينية ومستحقات الأفراد والضباط كما يتصرف بأملاكه، فمن حقه أخذ كل رواتب الجنود أو جزء منها، كما يمكنه بيع الأسلحة والأغذية والمركبات والأراضي والذخيرة كيفما يشاء والاستيلاء على عائدات البيع تلك دونما محاسبة من أحد، ولذلك لاحظنا أن القادة العسكريين ينافسون رجال الأعمال الذين ورث معظمهم رؤوس أموال طائلة عن أبآئهم وأجدادهم ونموها عبر عقود من الزمن بطرق قانونية واقتصادية، وربما تفوق العسكريون على رجال الأعمال في ما يملكون ويستثمرون.

4. إن هذه المنظومة القائمة على الاستحواذ والاستيلاء قد ولدت حالة من الخضوع الأعمى من قبل الجنود والضباط وصف الضباط للقادة الأعلى، ذلك لأن الجنود والضباط يدركون أن مصيرهم ومصير مستحقاتهم يتوقف على رضى القائد عنهم وليس على مستوى أدائهم الوظيفي واحترامهم للقانون، وأن أي إغضاب للقائد سيعني نهاية من يتسبب في هذا الغضب.

5. كنت قد أشرت في مقالتي السالفة أن التربية العسكرية لأفراد وضباط القوات المسلحة ومعهم الأجهزة الأمنية تقوم على إن الجندي والضابط هو حارس للنظام (وليس للوطن) وعندما يختلط الأمر بين النظام وبين أفراد النظام فإن حماية شركة الماز مثلا أو شركة راحة، أو المؤسسة الاقتصادية العسكرية (التي لم تعد ملكا للجنود والضباط) والتصدي لكل من يتعرض لها هو حماية للنظام لأن مالكها الذي هو القائد العسكري هو من يمثل النظام الذي هو الوطن تبعا للمعادلة السابقة، فيتحول الوطن إلى مجموعة من الاستثمارات التي يملكها القادة العسكريون قادة الوحدات والأسلحة العسكرية وعلى المؤسسة العسكرية حمايتها وعدم السماح بالتعرض لأي من أصولها.

6.لقد أدت حرب 1994م إلى تدمير الجيش الجنوبي بكامل قوامه ومكوناته ووحداته، وأبقت على الجيش الشمالي بكامل قوامه ومكوناته، كما وجد الجيش الشمالي أمامه أراضي مترامية الأطراف مليئة بالثروات والكنوز جرت السيطرة عليها ونهبها من قبل المتنفذين ومنهم قادة عسكريين، لقد اقتضى الأمر حراسة هذه الأراضي وما فيها من كنوز ولذلك فقد تم تجنيد مئات الآلاف جميعهم من الشطر الشمالي إذ لا يمكن السماح للجنوبيين بحراسة ما ينهب منهم، وهو ما يعني أن هذا الجيش هو جيش شطري انفصالي جهوي بامتياز وهو ما يفقده صفة الوطنية.

7. لقد قامت حرب 1994م على عقيدة سياسية وعسكرية مفادها أن الجنوب "دار كفر" والجنوبيين "كفار" وهو تسويق ديني لغرض سياسي الهدف منه الانتصار في الحرب، وبالتالي فإن استباحت أرضهم وحقوقهم وأملاكهم بل ودمائهم وأرواحهم أمر شرعي وواجب ديني، وبعد انتهاء الحرب استمرت هذه الثقافة من خلال سياسات النهب والسلب التي ظل العسكريون الشماليون (لأنه لم يعد هناك عسكر جنوبيين) يعاملون المواطنين الجنوبيين من خلالها كأعداء لا ينظر إليهم إلا باحتقار واستصغار وعدوانية تجسدت في سياسات القتل والتنكيل والإيذا واستفزاز المشاعر وانتهاك الحرمات، وكانت حوادث "اغتصاب المكلا" عام 1997م واغتيال الشهيدة فيروز في عدن عام 2012م والتحرش بالنساء في أكثر من محافظة جنوبية واغتيال قادات الحراك السلمي ومحاكمة بعضهم مجرد عينات على هذه الثقافة المتأصلة لدى أفراد المؤسسة الأمنية والعسكرية، والمنظومة السياسية عامة.

8. وبعد حرب 1994م اتسعت سياسة النهب والسلب لتتحول إلى منهاج رسمي نالت منه قيادات الجيش نصيب الأسد، وساهم النهب في الجنوب في تحويل العديد من القادة العسكريين إلى مليارديرات بنوا المؤسسات والاستثمارات والشركات من غنائم الحرب ومنتجات السلب والنهب، وكانت القوى العاملة والحراسة والإدارة في كل تلك الأملاك من الوحدات العسكرية التي يقودها المالكون، وهكذا تضاعف التداخل بين الطبقة العسكرية وبين الراسمالية الطفيلية التي أثرت من الحروب وسياسات السلب والنهب والاتجار بالأسلحة وأغذية ومخصصات الأفراد.

9. إن التربية غير الوطنية لأفراد وضباط القوات المسلحة والأمن قد صيغت على أساس محوري وهو إن العسكري (في الجيش أو الأمن) هو فوق القانون وفوق المواطن، ومن هنا نشأت ظواهر العنجهية والعجرفة لدى العديد من القادة بل وحتى بعض الجنود وصف الضباط، ويقوم الشق المكمل لهذا الفلسفة أن من يخالف العسكر من غير العسكر هو متهم ومدان سلفا وغير ذي حقوق ويجب سحقه وإذلاله حتى لو كان صاحب حق، ولم نسمع قط أن القضاء العسكري أو العادي أنصف مواطنا اختلف مع عسكري، غير إن العسكري الأعلى رتبة من حقه أن يسحق من دونه رتبة ويتخذ بحقه كل الاجراءات المهينة والمذلة بسبب أو بلا سبب، ونتذكر كيف كان بعض القادة يأمرون بعض الجنود الجنوبيين بالانبطاح وأمر الكتيبة بالمرور دعسا على أجساد هؤلاء الجنود، وهذا النوع من التعامل المهين مع الأفراد هو السبب الرئيسي للروح الانهزامية الدائمة التي ترافق الجندي وصف الضابط اليمني ومن ثم كل المؤسسة العسكرية.

10. وهناك ظاهرة لم تدرس جيدا وهي وجود قادة عسكريين لا يعملون، مثلا شيخ قبلي عنده رتبة عميد، وهو قائد لواء، هذا اللواء هو مكون وهمي، ربما ضم بعض الأفراد الذين يرافقون الشيخ وقد يمنحون الألقاب والأرقام العسكرية وربما المرتبات، لكن الشيخ يتسلم مخصصات لواء كامل من عتاد وأغذية ومرتبات وآليات ومركبات وذخيرة وأسلحة، يتصرف بكل هذا كما يتصرف بأملاكه، وهذه الحالات منتشرة بالعشرات إن لم تكن بالمئات (بين قائد لواء وقائد كتيبة، وقاد سرية، وما إلى ذلك).

إن هذه المؤشرات تبين أن الحديث عن "جيش وطني" في اليمن هو حديث عديم المعنى، وإن ما يدور من حديث عن إعادة الهيكلة مما تم أو  ما سيتم لا قيمة له في ظل العقيدة العسكرية والتربية الإخلاقية والثقافة السياسية والعسكرية للجيش الراهن وهو ما يعني إن بناء جيش وطني يتطلب العودة إلى نقطة البداية وإعادة تربية الأفراد وخلق عقيدة عسكرية وطنية وثقافة وتربية أخلاقية جديدتين، ناهيك عن إنشاء تكوينات جديدة تقوم على هذه العقيدة وهذه الثقافة وإعادة تأهيل من يمكن تأهيلهم، وتقليص دائرة التربية والثقافة السائدتين من خلال إيقاف هذا النهج في الكليات والأكاديميات العسكرية والأمنية وإعادة صياغة مناهجها الدراسية على النحو الذي يكرس روح الولاء الوطني وحب الأرض والإنسان واحترام كرامة المواطن باعتبارها أساس كرامة الوطن، وتطبيق سياسة الإحالة إلى التقاعد لأولائك الذين نشأو وترقوا وأدمنوا تلك الثقافة  العسكرية البائسة التي لا تصنع إلا الهزائم ولا تنمي إلا الغرور والتعالي ولا يزدهر في ظلها إلا الفساد ولا يتضاعف من جرائها إلا العنف والإرهاب والخوف والرعب، ولا تنجب إلا قادة يواجهون الوطن والمواطن وينهزمون عند أول معركة جدية مع العدو الحقيقي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*    محامية وناشطة حقوقية يمنية