مثّل الهروب المتكرر لجماعات إرهابية من داخل سجون الأمن السياسي دليلاً مادياً على وجود اختلالات أمنية فاضحة يعاني منها الجهاز الأمني اليمني، إن لم تكن عملية التهريب تجارة يمارسها كبار ضباط النظام السابق، منذ عملية الفرار الشهيرة في فبراير 2006 حيث فر 23 عنصرا خطراً من تنظيم القاعدة من سجن الأمن السياسي شرق العاصمة صنعاء، وقدمت الدولة يومها مسوغاً أقنع واشنطن بعدم جدية النظام في محاربة الإرهاب، إذ قالت الرواية الرسمية إن السجناء استخدموا الملاعق وصحون الأكل في حفر نفق يصل بين عنبرهم والمسجد المجاور بطول 44 متراً، ولاحقاً قالت وثائق ويكليكس أن السفير الأمريكي آنذاك “توماس جراجيكسي” التقى الرئيس صالح وتحدث معه بنبرة حادة، وأبلغه “عدم ثقة واشنطن بالقدرات القيادية لأبن أخيه العقيد عمار صالح وكيل جهاز الأمن القومي” غير أن صالح ألقى باللائمة على جهاز الأمن السياسي، وظل يضغط طول اللقاء من أجل الحصول على أجهزة تحديد الموقع الجغرافي، لكن الإدارة الأمريكية رفضت.
وفي عدن فر 16 عنصراً جهادياً في 13 ديسمبر 2011، وقبلها فرت مجموعة أخرى بعد أن فتحوا نافذة من جدار الحمام المطل على الشارع!.. وفي ذروة الزخم الثوري فر 62 عنصراً من تنظيم القاعدة من سجن “المنورة” بحضرموت في يونيو 2011، بعد أن حفروا نفقاً بطول 7 أمتار يصل بين احدى الغرف والحمامات، استخدموا فيه أدوات خاصة بالحفر، ما يكشف بوضوح وجود تواطؤ، وترتيب مسبق.
تكرار تلك العمليات الهزيلة لفرار سجناء متهمين بالإرهاب دفعت الدكتور عبدالكريم الأرياني مستشار رئيس الجمهورية، إلى التحدث لصحيفة أمريكية في أواخر 2007 بجرأة كانت الأولى من نوعها لمسئول يمني، حين فتح النار على جهاز الأمن السياسي، وقال إن بعض المسئولين اتخذوا من بيع الجوازات للأفغان العرب حرفة، وتجارة، وذكر منهم بالاسم وكيل جهاز الأمن السياسي، وقِيلَ يومها إن واشنطن كانت وراء إقالة الأخير من منصبه.
وفضلاً عن ذلك تمت المتاجرة بحقوق عدد من الشباب المسجونين على ذمة قضايا إرهاب، حيث تم الزج بالعشرات من المشتبه بانتمائهم إلى القاعدة، في غياهب السجون دون محاكمة، مما ولّد الأحقاد تجاه الأجهزة الأمنية، تماماً بنفس الكيفية التي تولّد بها ضربات الطائرات بدون طيار أحقاد المواطنين ضد المؤسستين الأمنية والعسكرية، معتقدين أن هذه الأجهزة هي من تقدم المعلومات للأمريكان، مع أن نفوذ أمريكا في حماية مصالحها لا يحتاج إلى إذن أو توقيع مع أحد، فهي تضرب في اليمن – كما في باكستان- وفوق إرادة وتشريعات المجتمع الدولي.