تشهد المحافظات الشمالية احداث دامية وخطيرة منذ فتره , وهناك من يكثر من الحديث عن غياب دور الدولة تجاه تلك الاحداث , وهذا الحديث يضعنا امام عدد مهم من الاسئلة منها هل الدولة غائبة عن ما يحدث هناك ام لا ؟ وهل المشكلة هي غياب دور الدولة ام المشكلة هي امر اخر؟ و اذا لم يكن دور الدولة غائب فهل الدور الذي تقوم به حاليا هو الدور المفترض والممكن لها ام غير ذلك ؟ .
يعرف القاصي والداني ان هناك لجنة مشكلة من اعلى هرم في الدولة وهي المعروفة بلجنة الوساطة الرئاسية , ومؤخرا توسع دور الدولة تجاه الاحداث التي تدور في المحافظات الشمالية الى تعزيز لجنة الوساطة الرئاسية بشخصيات عدة يمكنها التأثير على الاطراف المتصارعة هناك , وقد تم التوجه الى كل جبهات الصراع للعمل على احتواء المواجهات في وقت واحد او متزامن , وعززت الدولة ايضا دور اللجنة الرئاسية والوسطاء المضافين لها مؤخرا بالجيش الذي صدرت له توجيهات بالتعامل بحزم تجاه كل من يرفض التجاوب مع دور اللجنة والوسطاء , او من لا يلتزم باي اتفاقات يتم التوصل اليها لوقف اطلاق النار في اي من الجبهات .
دور الدولة موجود في تلك الاحداث منذ البداية , ولم تمر فترة من فترات تلك المواجهات الا والدولة موجودة , ولا يمكن القول على الاطلاق ان الدولة غائبة عما يحدث هناك , ولكن ليس الامر عدم وجود دور للدولة وانما هو امر اخر .
ما يريده من يديدنون بديدن ( غياب دور الدولة ) في تلك الاحداث هو فرض الدور الذي يريدونه هم على الدولة , سواء عن طريق انكار دورها الحالي الموجود على الارض وتصوريها على صورة من لا يعنيه ما يدور في تلك المحافظات من احداث , او عن طريق تشويه هذا الدور وتصويره نوعا من العبث وبث اخبار فشله احيانا من قبل ان يبدأ .
الدور الذي تؤديه الدولة في تلك الاحداث هو الدور المتّزن , وهو الدور الوحيد الذي يمكن ان يحقق نتيجة لأي جهد تبذله الدولة في ضل الوضع الحالي في البلد , وهو الدور الوحيد الذي سيكون ايجابيا اذا ما نجح للجميع وللوطن , اما اي صورة اخرى لتدخل الدولة في ذلك الصراع سيكون سلبيا و مثيرا ومدمرا ومفوتا لفرصة انها تلك المشكلات في المدى القصير نهائيا , بل سيؤدي الى مضاعفات سيئة ستلف البلد بالكامل وستزيد الدولة انكماشا على الانكماش الذي هي عليه الان وتخسر اي فرصة للقيام بدور " دولة " في تلك الاحداث , بل قد تخرج الامور عن سيطرتها وسيطرة الجميع .
من الخطاء ان يتصور البعض ان تحقيق ما يسعون اليه من فرض دور اخر للدولة , يتمثل في اصطفافها الى جانبهم ضد الطرف الاخر سيكون ايجابيا لهم وسيعينهم على تحقيق النصر وحسم تلك الاحداث لصالحهم , ودون خوض في تفصيل اكثر يجب ان يعي هولا ان هذا النوع من الصراعات لا يمكن لأي من طرفيه مهما تقوّى ان يحسمه لصالحه عسكريا , فقد يحقق اي طرف نصرا هنا او هناك ولكن لابد ان يتلوا اي نصر هزيمة او هزائم بينما لا يمكن الحسم لهذا النوع من الصراعات الا عن طريق التفاوض و البحث عن الحلول بعيدا عن القتال .
صحيح ان هناك عيوب قد اعترت اداء دور الدولة خلال الفترة الماضية من الصراع , ولكن يجب ان نعي ان اكثر العيوب التي اعترته هي ناتجه عن عدم التعاطي الجاد والصادق مع هذا الدور , ومحاولة البعض تجييره لصالح استمرار التقاتل وتشريعه , بل والتدخل من تحت الطاولة ومن فوقها لإفساد واضاعة او الالتفاف على اي تقدّم يحرزه هذا الدور في سبيل احتواء تلك الاحداث .
على الجميع الوقوف بمسئولية تجاه الله عز وجل اولا وتجاه انفسهم وكياناتهم وتجاه الوطن الكبير الذي لا يمكن لأي كان ان يختزله في قوة ما او في كيان ما , وان يتفهموا طبيعة هذا النوع من الصراعات وانها لا تحسم عسكريا في المدى القصير وربما المتوسط على الاطلاق , وان يتفهموا ان دور الدولة الحالي هو الدور المفترض بها اذا ما اخذت الملابسات الحاصلة في البلد في الاعتبار , وهو الدور الايجابي الوحيد لكل الاطراف , وغيره سيكون سلبيا على الجميع ايضا مهما تصور البعض انه في صالحه .
ادعوا الجميع للاعتراف بدور الدولة في الاحداث الحاصلة في المحافظات الشمالية اولا , ولتفهم المدى الزمني الذي يحتاجه هذا الدور ليثمر فلا يمكن ان يكون ذلك لحضي , والى التعاطي الايجابي مع هذا الدور وتفويت الفرصة على من يعملون على استمرار وتوسيع الاحداث الحاصلة في المحافظات الشمالية على حساب اطرافها المباشرة , وان يعمل كل طرف ممن يشاركون في معاركها على تقديم ما يمكنه من التسهيل والدعم والاعانة والتجاوب مع هذا دور لما فيه مصلحة الجميع ومصلحة الوطن .