أضحى اليمنيون قاب قوسين من الجمهورية الرابعة، النتاج الأبرز للصيغة المرتقبة للدولة المتولدة من رحم الحوار الوطني، ومقاربة الأمد والكلفة للجمهورية الجديدة، يحملنا على كثير من التفاؤل، فرغم ما يتفاعل في الواقع السياسي من تبدلات تتبدى شديد الصعوبة، إلا أنها لا ترقى لكلفة الوصول الباهظة إلى الجمهوريات الثلاث لليمن: الجمهوريتان الأولى والثانية في شماله وجنوبه إبان التشطير، والثالثة التي كانت قرينة الوحدة اليمنية.
استغرق اليمنيون في شمال الوطن عشرات سنين لنفض الإمامة من كاهلهم ، والحال ذاته في الجنوب حيث لم يكن التخلص من الاستعمار أمرا هينا، ليبلغ المدى الزمني لترسيخ النظام الجمهوري سنين أخرى مضافة.. واستحكمت بعدها دائرة كادت أن لا تنتهي من المفاوضات للوصول إلى الوحدة اليمنية وإنفاذها، ليتخلق عنها الجمهورية الثالثة .. في حين تضائل الأمد الزمني وتقلصت مسافات الوصول إلى الجمهورية الرابعة المرتقبة بما لا يتعدى السنتين أو أزيد قليلا، إذا ما اعتبرنا أحداث التغيير العام 2011م إيذانا ببدء مخاضها.
ورغم قساوة المشهد السياسي، وتجاوز الصراع المجال السياسي إلى آخر دموي مسلح، يتمظهر حينا بصورة ظاهرة حد الفجاجة ويتستر أحيانا بشكل مظمر خفي، نشهد آثاره ولا نعي بواعثه أو مفاعيله.. إلا أن جمهورية اليمن الرابعة، التجلي الأقصى لنضال اليمنيين توشك أن تتخلق، خاصة بعد ان اوشك مؤتمر الحوار على انهاء أعماله وتفويض رئيس الجمهورية تشكيل لجنة لتحديد عدد الأقاليم .. فلا بديل لها إلا الفوضى ولا استعاضة عنها إلا بالتشظي.. ليصبح الخيار المتاح اجتراح شكل مغاير لدولة تنبني على الحكم الرشيد ومبادئ العدالة والمساواة.. الشفافية والمساءلة.. وهو طموح يستدعي إجراءات عملية، تخرج الدولة من فضائها المعرفي ـ كفكرة ومفهوم ـ إلى مجالها الواقعي، كتجسيد خلاق لعلاقة المواطن بالأداة السياسية الحاكمة.. عن طريق تفعيل أدوات الضبط والأجهزة الأمنية وتجاوز اختلالات منظومة قضائية أثمرت فقدانا كليا لثقة المواطن بالدولة، وشعورا متزايدا بانعدام الدولة أساسا، كحالة وجدانية تضاعفت بعد أحداث (الربيع العربي) واستتباعاتها المفضية إلى إسقاط (هيبة السلطة)، كحدث فارق أفرز بدوره دوامة الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي والاجتماعي في بلدان الربيع العربي، كمآل طبيعي لغياب الدولة بنظمها المؤسسية الثابتة وأجهزتها الضبطية الفاعلة التي لم تعدو أن تكون أداة للسلطة الحاكمة في إحكام قبضتها الرهيبة على المواطنين.. ما يجعل مهمة تحويل غاياتها لصالح الدولة والمواطن، عوضا عن الحاكم، اللبنة الأولى في بناء الدولة الحديثة المستقرة والآمنة.. والجمهورية الرابعة لليمن يجب ان تشهد هكذا تحولات، حتى تصبح الحامل السياسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعيد بناء جسور ثقة طالما ظلت غائبة بين المواطن والدولة.