إذا ما افترضنا جدلاً أن مؤتمر الحوار الوطني سينتهي من نقاشاته والمهام المناطة به في الموعد الزمني المحدد له .. وافترضنا ايضاً اتفاق المتحاورين على جميع القضايا المختلف عليها قبل الثامن عشر من اكتوبر المقبل .. فمن غير الممكن الجزم بان المدة الفاصلة بين هذا التاريخ والواحد والعشرين من فبراير 2014 م ستكون كافية لصياغة الدستور الجديد والاستفتاء عليه من قبل الشعب وإعداد النظام الانتخابي للمرحلة المقبلة والمضي في إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولصعوبة ذلك فان السيناريو الأكثر تداولاً بين القوى السياسية والحزبية والأطراف الإقليمية والدولية الراعية للمبادرة الخليجية هو تمديد المرحلة الانتقالية لفترة زمنية محددة تستكمل فيها عملية الانتقال الى الوضع الدستوري الجديد .
ويستشف من حديث الرئيس هادي مع الصحفي الأمريكي توماس فريدمان بشأن المقترح الذي قدمه للرئيس بوتين خلال زيارته لروسيا الاتحادية والذي نصح فيه الرئيس هادي القيادة الروسية بالاستفادة من الانموذج اليمني في معالجة الوضع الملتهب في سوريا حيث اشار الرئيس هادي الى ان حل كهذا يقتضي مرحلة انتقالية من اربع سنوات وليس من سنتين كما هو الحال في اليمن وهو مايوحي تماماً ان الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية في اليمن شابها ضيق الوقت وان التمديد ربما يصبح أمراً لا مفر منه .
ولأني لا أشعر بأية حساسية تجاه مسالة التمديد فقد حاولت في مقالات سابقة استخلاص أهم التحديات التي خلصنا إليها في الأشهر الماضية ووجدت اننا قد أضعنا وقتاً كبيراً في بعض الجزئيات ذات الصلة بالإصلاح السياسي على حساب قضايا جوهرية تتعلق بهموم الناس اليومية وأوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والتى اخذت بالتدهور بشكل لافت الى درجة يصبح معها استمرار هذا التدهوربمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة .
ولو كنت في موقع يسمح لي باقتراح خارطة طريق للرئيس عبد ربه منصور هادي فسأضع نصب عينيه على أربعة تحديات عليه من الآن وليس لاحقاً أن يبدأ في التعاطي معها كمداخل أساسية لتحريك قطار الإصلاح الذي لابد له ان يسير حتى ولو كان ببطىء فذلك افضل الف مرة من ان يظل هذا القطار واقفاً :
- وأول هذه التحديات اقتصادي عنوانه أحداث تنمية حقيقية في المحافظات تساعد على امتصاص البطالة والمشاكل الناجمة عن الجمود وتعيد الامل الى الناس بالمستقبل الافضل وتخرجهم من حالة الاحباط وتحيي في نفوسهم العزيمة والاصرارعلى تجاوز الهوة القائمة التي لاتردم بالمشاريع الخيالية والامنيات التي تحلق في الفضاء ولا بانصاف الحلول او بترحيل المشكلات الى مناسبات اخرى قريبة او بعيدة ولا بالتفكير المغرق بالتشاؤم
- أما التحدي الثاني فإنه تربوي يجعل من فرائض اللحظة التاريخية اعادة الاعتبار لهذا البعد الذي يحتل خصوصية في كل دورة اصلاحية أو مسألة تغييرية ذلك أن التربية بمفهومها الواسع هي قاعدة الاساس لكل بناء وبدونها يستحيل أن يستقيم أي إنجاز أو نهوض حيث وأن موطن المعضلة اليوم في بلادنا تكمن في الإنسان ولن نستطيع التزحزح من الوضع الذي نحن فيه دون إصلاح هذا العطب على أساس تربوي متين.
- فيما التحدي الثالث فثقافي باعتبار أن الثقافة هي الرافعة الاساسية للتغيير ان لم تكن هي الحامل الحقيقي للتحول الشامل فهي من ترسخ في المواطن روح الايثار وحب الوطن وقيم الانتماء لهذا الوطن وتضمن له عمقاً نظرياً يعصمه من وباء التعصب القبلي والجهوي والحزبي والمذهبي ويحميه ايضاً من نوازع التطرف والغلو والسقوط تحت تاثير الاستقطاب الفكري الاجوف .
- اما التحدي الرابع فأمني اذ انه وبدون امن واستقرار يصعب الحديث عن تنمية اوستثمار او دولة او تطور او سيادة قانون وبكل تاكيد فلم نصل الى الامن الذي نتوق اليه طالما بقيت مراكز النفوذ تقف حجر عثرة امام اية خطوة او توجه للحد من فوضى حمل السلاح وتعمل بكل اريحية على تحويل اليمن الى مخزن ضخم لتجارة الاسلحة وتداولها في عشرات الأسواق التي تباع فيها كثيراً من أنواع الاسلحة المتوسطة والخفيفة وحتى الثقيلة وأشهر هذه الاسواق سوق جحانة شرق العاصمة صنعاء وسوق الطلح بصعدة وسوق ريدة بعمران وغيرها من الأسواق وطالما أيضاً استمرت شحنات الأسلحة المهربة تتدفق على اليمن من إيران وتركيا وغيرهما.. وبالتالي فإنه ومن دون نزع السلاح عن كافة القوى والمكونات القبلية والسياسية والمذهبية وتخويل الجيش والامن مسؤلية الحفاظ على أمن المجتمع وصون السيادة الوطنية والتصدي لكافة مظاهر الثأر والحروب القبلية فليس لنا أن نحلم بأن يصبح النظام والقانون هو المرجعية التي نحتكم اليها جميعاً حكاماً ومحكومين وجاهات ومواطنين وقادة واتباعاً.
يستطيع الرئيس هادي من خلال خارطة الطريق هذه أن يؤسس لمنهاج جديد أساسه التخطيط لكل مرحلة سوى كانت شهوراً أو أعواماً بل أنه بمثل هذا المنهاج يرسي قواعد الحكم الرشيد ودولة القانون ومرتكزات الدولة الحديثة وعلى الرجل وحكومة الوفاق اجمالاً ان يسهبوا في مصارحة الشعب ليشرحوا له تفصيلاً ان معالجة كل ما يعانيه الآن رهن بإصلاح الدولة والمجتمع وتجاوز عشوائية الأداء التى حلت محل البرامج والخطط التى يتخذ فيها القرار المناسب في الوقت المناسب خصوصاً وأن الوضع في اليمن لم يعد يحتمل مزيداً من هذه العشوائية.. فأما التحرك نحو الإصلاح والمضي في مشروع التغيير.. وأما انتظار اشتعال فتائل الانفجار