عشرة اشهر من الحوار الوطني انتهت اخيرا , خلالها مارسنا احيانا النقد واحيانا الاشادة واحيانا النصح , وكان كل ذلك طبيعي بل ومفترض تبعا لطبيعة مرحلة التحاور , ولكننا ابتداء من اليوم ال 25 من يناير 2014م دخلنا مرحلة جديدة .
إنتهاء اعمال مؤتمر الحوار الوطني يعني انتهاء مرحلة الحوار وبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة تنفيذ مخرجاته , وبالطبع التعاطي مع الحدث في مرحلة التنفيذ يجب ان يكون غير ما كان عليه في مرحلة التحاور , ففي مرحلة التحاور كان الاختلاف والنقد والقبول والرفض هو التعاطي الذي يسوق الى نجاح التحاور , اما في هذه المرحلة فالتعاون والتمسك بترجمة المخرجات على الواقع والوقوف ضد اي محاولات للإخلال بها باي صورة هو الذي سيسوق الى نجاح التنفيذ .
بالطبع هناك من يرى ان في مخرجات الحوار ما هو غير سليم وان تنفيذ تلك المخرجات لن يحقق الواقع الذي يطمح اليه , ولكن لا ارى ان ذلك مبررا لرفض هذه المخرجات بوضعها الحالي والتوقف عند ذلك , فعدم بلوغ الطموح من خلالها ليس مبررا لبقاء الحال البائس الذي نعيشه دون اجراء اي تعديلات عليه لتحسينه , بل ان الامور قد تذهب الى واقع اسواء مما نحن فيه .
ما يجب ان تنطلق منه مواقفنا هو فهمنا لجوهر المشكلة في البلد والتي لا تتمثل في ان الدستور و الانظمة والقوانين وشكل الدولة وطبيعة توزيع اقليمها غير سليمة ,وانما المشكلة هي ان قوى النفوذ لم تلتزم بكل ما سبق على حالته في عهد انفرادها بالقرار في البلد , وبعبارة اخرى لو التزمت قوى النفوذ بتنفيذ الدستور والقانون والنظام حينها لما وصل الحال في البلد الى ما وصل اليه .
المشكلة الان ليست كمال مخرجات مؤتمر الحوار من عدم كمالها بقدر ماهي هل سيُلتزم بها ويتم تشكيل المشهد في البلد وفقها ام لا ؟ , فالالتزام بتنفيذ المخرجات على اي سوء او قصور فيها سيتسبب في ايجاد واقع جديد فيه قدر من السوء او من القصور لاشك , و لكن مع الالتزام سيكون من الممكن معالجة اي سوء او اي قصور سيتضح . بينما عدم الالتزام بتنفيذ المخرجات سيتسبب في اضاعة فرصة للتغيير مهما كانت محدودة وسيذهب بالواقع الى سوء وقصور اكثر مما هو الان .
دعونا نأمل بالالتزام , ولعل اهم ما هو مطلوب الان هو , اولا : البداء بمصالحة وطنية بين جميع مكونات البلد و سيكون ذلك دافعا قويا للغاية لنجاح تنفيذ مخرجات الحوار , وثانيا : ايجاد المرجعية المتوازنة والعملية والواضحة التي ستتولى الفصل في اي تباين او خلاف في تفاصيل التنفيذ لتلك المخرجات , وثالثا : مراعاة اكبر قدر ممكن من الكفاءة ومن الشراكة ومن الحياد في التشكيلة الحكومية وفي سائر الاوعية التي ستتولى تنفيذ تلك المخرجات .
آمل من الجميع التفاؤل وانصح بالتعاطي الايجابي في مرحلة التنفيذ وان يكبر الجميع فوق همومهم الشخصية و النفوذية و الحزبية ومختلف الهموم الضيقة والاشتغال فقط وفقط بهم الوطن الكبير . وعلى تلك القوى التي ترفض تلك المخرجات او تتحفظ على شيء منها عليها ان تصمم تحركها القادم بالشكل الذي لا يجعل منها طوق نجاة لمن لا يريدون الالتزام , ويجب ان نعي ان تنفيذ المخرجات قد يكون فيه ما يرى البعض انه ليس في صالحه ولكن عدم تنفيذها ليس فيه صالح الجميع .
مبارك للشعب اليمني الكريم انتهاء اعمال مؤتمر الحوار الوطني , ولنبدأ مرحلة جديدة من الحرص على البناء ومن التفاعل الايجابي فيما بين الجميع , وعسى القادم خير .