لقد ظل الاستعداد قائماً -منذ دهور بعيدة وحتى وقت قريب - لدى الحضارم (كمجتمع للمحافظة التي ينتسبون اليها )- على وجه الخصوص بين بقية المحافظات المحيطة بها او المجاورة لها للإنفصال بكيانهم الجغرافي والاجتماعي كقطر سياسي عربي مستقل بذاته عن جسد الدولة اليمنية التي طالما انتمت اليها محافظتم خلال تاريخها المنصرم عنوة كوحدة إدارية لا أكثرفيها سواء في عهود التشطير او في عهود الوحدة التي تبعتها ،،
ومما لاشك فيه بناءً على ذلك بإن هذا الاستعداد الذي ظل سائداً لديهم كل هذه المراحل قد مثل تربة خصبة وبيئة صالحة بالنسبة للطرف السياسي الذي نجح في حراثته واستثماره واستغلال خصوبته لزرع بذور النزعة الانفصالية في نفوسهم أو على الأقل قد ايقظ فيها النزوة الجامحة الى الاستقلال النسبي بكيانهم الجغرافي والإجتماعي والإقتصادي - الذي يمثلوه ويمثلهم - في ادنى حدود التطلع المتاحة امامهم كأقليم فيدرالي مستقل وقائم بذاته قبل ان تتطور وتنمو هذه النزعة بفعل الظروف والمتغيرات الثورية والسياسية التي استجدت مؤخراً على الساحة الوطنية بصفة عامة وتتحول وبفعل فاعل في نهاية المطاف الى عقيدة وطنية وقضية سياسية لديهم مثلها في ذلك مثل القضية الجنوبية تماماً (بمقدماتها وتداعياتها ونتنائجها ) لإعتبارات ثقافية وتاريخية إخرى كثيرة تتميز بها حضرموت تحديداً غير تلك الاعتبارات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية المعروفة التي تتفرد بها وحدها عن سائر محافظات الجمهورية وتوفر لها من الشروط والمقومات القانونية والسياسية الكافية والمطلوبة التي تحتاج اليها مايؤلها لإن تكون وبكل جدارة دولة مستقلة وذات سيادة وطنية وسياسية كاملة اكثر من اي دولة اخرى أو على الاقل اكثر من دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل الوحدة واكثر ومن دولة الجمهورية العربية اليمنية التي كانت قائمة في نفس الوقت في الشمال ايضاً ان لم يكن اكثر من الدولتين مجتمعة ..
هذه النزعة التي باتت تراود الحضارم وأهل حضرموت خصوصا ومن جاورهم عموما اليوم اكثر من أي وقت مضى - أو القضية التي اصبحت محط آمالهم وتطلعاتهم وموضع همهم وإهتماماتهم وقِبلة سعيهم وترتيباتهم ومدفع إجماعهم وتوافقهم ومنبع حماسهم وتفاعلهم ومصدر امنهم وإيمانهم ومذبح تضحياتهم ومعقد كفاحهم ومبدأ ثباتهم ومنتهى غاياتهم ومنبر كلمتهم ,وأسمى اهدافهم ..حتى غدت بالنسبة لهم وللآخرين دونهم بالمقدار الذي بات يشكل - في الوقت نفسه - تهديداً كبيراً وماحقاً على القضية الجنوبية ككل ويمثل خطراً محققاً وبالغاً على وحدة الشعب الجنوبي كافةوعلى هويته الثقافية والاسلامية ونسيجه الإجتماعي فيما لو فاز الجنوب واستنجز حقه الوطني ونال مطالبه الشرعية في المشاركة بحضوره وقوامه الجغرافي والسياسي التشطيري القديم كإقليم إداري فيدرالي موحد ومستقل في ظل دولة إتحادية تجمعه كطرف ثاني مع إقليم الشمال وفقاً لرؤية الحزب الاشتراكي اليمني التي طرحها في وقت سابق لمعالجة إشكالية الوحدة الإندماجية التي قامت بين الطرفين في العام 1990 م على القواعد السياسية والإجتماعية والدستورية الهشة التي أرتكز عليها نظام الحكم في دولة الجمهورية العربية اليمنية قبل ذلك ،،
وفي هذه الحالة فإن من البديهي ان ينتقل الصراع وبصورة تلقائية إلى الجنوب ويشتعل فتيل العنف والإحتراب ويشب لهيب المواجهة والنزاع فيه ليس فقط بين غربه وشرقه من جانب ، بل وبين كل فصائل ومكونات الحراك السلمي الجنوبي من جانب موازي بحيث لن يسلم الحزب الاشتراكي اليمني من عواقب الانقسام على نفسه ومن مغبة اتفرقه بين جموع المعركة التي ستستجلب له كل اسباب العِدأ القديم والحديث كضحية لهذه الخطوة إذا لم يحسب نتائجها ..وسيختلط الحابل والنابل وسيكون الحزب الاشتراكي اليمني حينذاك وبعده هو المخاطب التاريخي والسياسي والوطني امام الشعب والوطن والمسؤل الاول والاخير وحده عن ذلك وسيتعين عليه ان يواجه هذا التحدي الصعب بمرونة بالغة وسلاسة لابد ان يتحلى بها كي يتمكن من حل ومعالجة (القضية الشرقية ) دون مساومة او مماطلة أو تريث لكي لايكرر الاخطأ الجسيمة التي ظل يرتكبها نظام صنعا من قبله معه ومع الجنوب شعباً وارضاً وقضية خلال السنوات التي اعقبت الوحدة ،فيتورط في نفس الجريمة التي تورط وورطنا فيها ،وان يكون قد استفاد وأخذ الدرس والعبرة منها ,
لذلك فإن على الحزب الاشتراكي اليمني ان يحنب نفسه ويجنب الشعب الجنوبي ايضاً من ويلات هذا المصير المعتم والمجهول الذي اصبحنا عبى مقربة منه قبل وصولنا اليه وقبل فوات الاوان وأن يبحث منذ الان عن طريق اخر لايؤدي اليه ,,لانه لا الحزب ولا أي طرف اخر غيره يستطيع اليوم وفي هذه اللحظة أن ينفي ذلك و يستبعده او حتى ينكره ويتغاضى عنه أو يقدم اي حجة منطقية لتهميشه(اقصد المصير طبعاً) ..خصوصاً وان الاطراف الشمالية التي كان يتحاور معها وتلك التي كان يقيم تحالفاته معها قبل ان تنقلب عليه ،غير مقتنعة بتلك الرؤية التي طرحها عليها لحل القضية الجنوبية وتحديد شكل الدولة الجديدة التي يدعوااها اليها بل انهم وبدلاً عن ذلك إنما أبدوا اعتراضهم الواضح والصريح ودون تحفظ عليها وأعلنوا رفضهم القطعي لها ...وهذا امر ينبغي ان يوضع في الحسبان ولايجب تجاهله او التفريط فيه ابداً بأي حال من الاحوال ..او ذريعة من الذرائع ..وان يمعن الحزب ملياً قبل ان يخطوا خطوته القادمة على هذا الطريق ...لكي لايتعرض لكبوة لاتقوم له قائمة بعدها ......
على انني اعود مجدداً لإقول قبل الختام بأن الجنوب وشعب الجنوب سيحتفظ بوحدته الاجتماعية والسياسية وسيصون تماسكه الوطني وترابطه الثقافي والاقتصادي بامتداد مساحته الشاسعة على الخارطة الجغرافية الطبيعية له من التمزق ومساوئ التشظئ في الحالة الوحيدة التي يستطيع فيها فقط أن يحقق إنفصاله التام وإستقلاله الكامل عن الشمال وتقرير مصيرة كشعب حي وإستعادة سيادته السياسية كدولة قائمة على الارض بكل مقوماتها الوطنية وركائزها السياسية واعمدتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافة التي تشكل شخصيتها الاعتبارية وهويتها الدولية والسياسية والاقليمية والقومية والاممية بين الدول والشعوب ,,اما حمل الجنوب وشعبه "مرة اخرى"على بساط المغامرة غير المحسوبة على نحو ماجري ومازال يجري له إلى مشاريع وخيارات وحدوية اخرى غير ذلك الهدف الذي يتو اليه ويناضل من اجله فمن شأنه ان يؤدي الى نتائج سيئة ومدمرة على الجنوب شعباً وارضاً .. وهذا يترك امام الحزب الاشتراكي اليمني خيارين اثنين لاعلاقة لهما ابداً بالخيار الثالث الذي سبق وان تبناه في رؤيته المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني لمعالجة القضية الجنوبية ويقتضي ان يجدد النظر فيه مرة اخرى ويحدد موقفه ..فإما ان ينحاز الى جانب الجنوبيين في قضيتهم العادلة وينضم الى صفوفهم في ساحات حراكهم السلمي المطالب بحقهم الشرعي المكفول في الانفصال وتحقيق الاستقلال الكامل وتقرير مصيرهم - وأما ان يقبل بالخيار الذي تبنته القوى والاطراف السياسية والوطنية الاخرى والتي ردت به على ماتضمنته رؤيته المطروحة امامهم على طاولة مؤتمر الحوار قبل ان يختتم جلساته ولايوجد بديل ثالث ..