تشهد أغلب أرياف ومدن محافظة مأرب هذه الأيام تحليق مستمر ومكثف لطائرات
بدون طيار الأمريكية، ومنذ مطلع الشهر الأول من العام الجاري لا تكاد
لحظة أن تخلو سماء المحافظة منها أو تهدأ المسامع عن سماع أزيزها ثانية
واحدة .
بشكل غير مسبوق تحلق عدة طائرات أمريكية في سماء منطقة معينة، وتستمر في
التحليق وبعلو منخفض لأكثر من يومين أو ثلاثة دون أن يعرف أهالي المنطقة
أسباب ذلك التحليق المستمر والمكثف على منطقتهم بعينها .
ما إن يسدل الليل ستاره وتهدأ الأصوات حتى يملأ المكان أزيز تلك الطائرات
وتبدأ بالتحليق بعلو منخفض جداً مستترة بجنح الظلام، وكلما انخفضت أكثر
كلما ارتفع صوتها أكثر وكلما تسببت في إقلاق السكان .
على أزيزها ينام من يستطيع أن ينام ولكن سرعان ما يصحو، ولا أحد هنا
يستطيع أن ينام نوماً عميقاً يشعر فيه بالراحة بسبب ما تسببه من قلق
واضطراب نفسي بصوتها الناعق .
الكل هنا يشعر بالإهانة في ظل هذا التحليق المكثف والمستمر على مدى 24
ساعة يومياً دون توقف، والذي يبدو وكأنه استفزازي، الكل هنا يشعر بحجم
الغطرسة الأمريكية واحتقارها للشعوب وهيمنتها على الانظمة، الكل هنا يشعر
بمدى الوهن والضعف الذي وصلت إليه دولته .
الكل هنا يتساءل ألسنا من بني البشر ومن حقنا أن نحيا بكرامة دون انتهاك
لحقوقنا أو احتقار لإنسانيتنا ؟؟ الكل هنا يتساءل ألسنا أبناء بلد حُر
بإرادته ومستقل بسيادته يكفل لنا حق المواطنة الكاملة دون انتقاص، يحفظ
لنا كرامتنا وأمننا وسيادتنا ؟.
الكل هنا يتساءل أليست أمريكا تتحدث عن وقوفها إلى جانب اليمن؟ فلماذا
تتعمد انتهاك سيادته وانتهاك حقوق شعبه وكرامته ؟؟ ولماذا تُصرُّ على
مضاعفة عدوانها بتكثيف تحليق طيرانها الذي يتسبب في إلحاق الضرر النفسي
لدى الكثير من المدنيين، بالذات في أوساط النساء والأطفال دون مراعاة .
الكل يتساءل أين الدولة من هذه الانتهاكات، وما موقفها من التفريط في
السيادة، وأين دورها في حماية مواطنيها؟ الكل يتساءل أين دور المنظمات
الحقوقية وما موقفها من هذه الانتهاكات المتعمدة ضد الإنسان ؟.
الكل يتساءل أين ذهب تصويت مجلس النواب اليمني عندما صوّت بالإجماع على
منع تحليق طائرات بدون طيار الأمريكية بالأجواء اليمنية، والحفاظ على
المواطنين من أي أذى، وكذا المحافظة على سيادة الأجواء اليمنية ؛ جاء هذا
التصويت في الجلسة الأولى للفترة الثالثة من الدورة الثانية لدور
الانعقاد السنوي العاشر، وعُقِدت هذه الجلسة منتصف ديسمبر العام المنصرم
.
الكل يتساءل أين الشارع اليمني من هذه الانتهاكات، ولماذا الإعلام اليمني
يتجاهلها وكأن شيئاً لم يكن، أليست مأرب يمنية كصنعاء التي عندما عبرت
أجوائها طائرة بدون طيار لتنفيذ غارة في مأرب بالسابع والعشرين من شهر
رمضان الماضي خرج الشارع اليمني يدين ويستنكر، وأحدث الإعلام اليمني ضجة
كبيرة ؛ ولم يكن خروج الشارع والهجمة الإعلامية الشرسة وإدانة السياسيون
والحقوقيون من أجل الغارة التي نفذتها تلك الطائرة بمأرب وقتلت يمنيين،
ولكن كل هذا الاستنكار الشعبي والاستهجان الإعلامي ضد عبور تلك الطائرة
لأجواء العاصمة ؛ ولكن لا إدانة لانتهاكاتها في مأرب وكل محافظات اليمن
باستثناء صنعاء، ولا استنكار لما تُلحقه بالمدنيين من أذى، ولا عزاء فيمن
تقتلهم من أبناء اليمن .
ولا شيء يتمناه الناس هنا غير أن يأتي المسئولون في صنعاء والحقوقيون
والإعلاميون إلى أحد أرياف مأرب، ويبيتون ليلة واحدة بأحد تلك الأرياف
التي كانت تنعم بالهدوء، وسيدركون مدى معاناة السكان من ضجيج تلك
الطائرات، وسيشعرون بالإهانة في ظل تلك الانتهاكات، هذا إن بقيت عروق
وشرايين وطنية تنبض بالحب والولاء للوطن، لعل أن يدركون ذلك بعيداً عن
ضجيج المدن ونفاق السياسة وزيف الإعلام .