إستطلاع : حافظ الشجيفي .
يقع وادي شعب تحديدا في الجهة الشرقية لشمال مركز مديرية طورالباحة (حاضرة منطقة الصبيحة) وضمن سلطتها ألإدارية ونطاقها الجغرافي ويمتد من الشرق الى الغرب على مسافة طولها لايقل عن 15 كيلومتر وبعرض لايزيد في أكثر ألأماكن إتساعا عن كيلومتر واحد بين سلسلتين جبليتين تحاذيانه وتمتدان معه بالتوازي من جهتيه الشمالية والجنوبية من أقصى حد يبدأ منه شرقاً حيث تتصلان وتلتقيان عند نجدٍ صغير يربطهما مع بعضهما هناك يسمى ( نجد شعب) الذي يفصله عن النطاق الاداري و الجغرافي لمديرية القبيطة التي تجاوره الى أدنى حد ينتهي فيه أو إليه بإتجاه الغرب حيث يلتحم ويتقاطع مع وادي مُعادِن الذي ينحدر من جبال المفاليس والأحكوم والعذير شمالاً ليحول مجراه جنوباً نحو مركزمديرية طورالباحة القريب منه قبل ان يصل الرجاع ..
وتنقسم منطقة شعب بدورها الى ثلاث مناطق سكنية وزراعية هي منطقة شعب الأعلى التي يبدأ منها الوادي وتشتمل على قرية القويضة وقرية الصناع وقرية ضوكة وقرية "شاغث" التي سميت بهذا ألإسم نسبة لولي من أولياء الله الصالحين سكنها أو عاش فيها قبل مئات السنين وأقام فيها مسجداً يحمل نفس الإسم ايضاً وبجواره عدد من المباني والمقاصير التعليمية والقبور والأضرحة الدينية التي ظلت حتى عهد قريب مزاراً دينياً سنوياً لكثير من الناس الذين كانوا يقصدونه من مختلف المناطق والمديريات القريبة والبعيدة بما فيها الحوطة عاصمة محافظة لحج وعدد من قرى ومديريات محافظة تعز غير البعيدة عنه في مناسبة كانت تسمى" الجَمْعْ " وتستمر أكثر من ثلاثة أيام وتنحر فيها الذبائح والأبقار والمواشي الصغيرة وتقام على غِرارها موالد الذكر والتهليل مصحوبة ببعض الطقوس الصوفية المعتادة كما كانت سوقاً لعرض مختلف البضائع القادمة من تلك المناطق ..
وتربض قرى شعب الأعلى عند أقدام قمة جبلية شاهقة ألإرتفاع في رأس الوادي وربما كانت هي القمة الأعلى في المديرية والمديريات الأخرى بالمنطقة ككل وتسمى ( الرَكِيزَة ) ويوجد عليها سد زراعي أثري قديم مازال حاضراً بكل معالمه التاريخية حتى ألآن إلا إنه لم يعد صالحاً للري ... وهو بحاجة إلى إعادة تأهيل ..
ثم تاتي منطقة " شعب الأوسط " التي تشتمل على قرية "القُبْع والقُرينة" ،وقرية الهويدة ، وقرية هيجة العشر، والطيق، تليها المنطقة الثالثة وهي منطقة " شعب الأسفل " التي ينتهي بها الوادي في أدناه وتشتمل على قرية الكيمة ، وقرية العطِر،وقرية الحنيشة وبعض القرى الصغيرة المتفرقة في الوادي .
صورة لمسجد (شاغث )كما يبدوا بعد هطول الامطار |
ـصورة قديمة |
وتشكل هذه المناطق الثلاث بكل قراها المذكورة وغير المذكورة القوام الزراعي للوادي ومجموع سكانه الذين لايقل تعدادهم التقديري عن 10 الف نسمة لم يبقى منهم فيه سوى الثلث بعد ان شد غالبيتهم - ممن تيسرت لهم الظروف - الرحال وانتقلوا مع عوائلهم إن لم نقل بانهم قد نزحوا للعيش والإقامة في المدن بعد أن تعذرت عليهم سبل العيش والحياة فيه وتوعرت أمامهم طرق وأسباب الرزق والخير على ذمة ما أبدته لهم الطبيعة من القسوة وماحل بهم من القحط والسنين مخلفين ورائهم قرى شبه خالية وبيوت كانت عامرة بذويها ومواشيها واراضي ومدرجات زراعية طالها القفر والخراب ولم يتمكنوا من مواجهة تكاليف حرثها وفلاحتها وإصلاح إضرار السيول التي ظلت تجتاحها في فترات متقطعة خلال السنوات الاخيرة قبل ان تحبس السمأ غيثها المدرار ويحل بها جفاف الطبيعة من جهة وجفاف الدولة من جهة اخرى ولعل جفاف الدولة كان هو الأسوأ والأشد وطأة وتأثيراً عليها من جفاف الطبيعة حيث مكث جاثما ومازال مخيماً عليها خلال العقدين اللذان أعقبا الوحدة اليمنية منذ إعلانها بين الشطرين وحتى اليوم ولم يشهد الوادي من نفحات وجودها وبوادر حضورها مايدل أو يثبت بانه تابعاً لها أو يقع ضمن حدود الجمهورية ولم نلمس في "الوادي" أي مشروع حيوي أو خدمي أو تنموي قد أستجد خلال هذه السنوات غير ذلك المشروع الوحيد الذي شيدته الدولة قبل الوحدة لتزويد الأهالي بالمياه الصالحة للشرب ألا انه تعطل وتوقف تماماً بعد سنوات قليلة من تحقيق الوحدة ولم نسمع له خبر يستحق الذكر منذ ذلك اليوم ومشروع آخر للكهربا كان يجري العمل فيه عندما تحققت الوحدة ولم يتم إنجازه حتى هذه اللحظة ،، ومازال الأهالي يتذكرون دور الدولة في الجنوب قبل الوحدة ويعددون محاسنها ويترحمون على الشهيد "على عنتر" الذي كان يمدهم بالجرارات والحراثات عندما يتعرض الوادي للخراب بالإضافة الى الشبوك والمصدات المائية وأدوات الحماية اللازمة التي يحتاجون أليها في مثل هذه الظروف ..
- يقول المزارع منير أمين نعمان أحد أبنا الوادي : إنظر للوادي كيف اصبح قِفراً على قِفر وخراب على خراب وكيف أمست البيوت خاوية من سكناها ، ومازلتُ أتذكر دور الدولة في الجنوب إبّان عهود التشطير التي كانت تقدم إلينا مانحتاج اليه من وسائل وأدوات زراعية وجرارات لرفع أضرار السيول وإصلاح الأراضي المخربة مجاناً ودون مقابل وكانت لاتغادر المنطقة قبل ان يأذن لها آخر مواطن أنتهت من إصلاح إرضه ..اما اليوم وبعد مرور أكثر من عشرون عام على هذه الوحدة فقد فقدنا كل شي حتى "الثيران" (الضمد) التي كنا نستعين بها على فلاحة وحراثة الأراضي لم نعد نعثر عليها بعد ان كانت لاتخلوا منها بيت أو قرية أما ألان فقد أنقرضت من الوادي تماماً بل لقد عزِّ علينا الحصول على "روث المواشي" الذي كنا نستخدمه لتسميد الأرض وتوزيع الفائض منه على المناطق المجاورة ولم نعد نرى مواشي في الوادي إلا بالكاد ،ويستطرد بالقول : لقد كنا نمتلك مزرعة تكاد تكون الوحيدة هنا في الوادي كله منذ خمسون عام خلت حتى الآن لم تتوقف خلالها عن العطأ الذي ظلت تقدمه لإهالي الوادي وتمونهم بما يحتاجون اليه من من المحاصيل والثمار والخضروات والفواكه والاعلاف والحبوب الزراعية وتزودهم بمياه الشرب قبل ان ينضب البئر ولم نستطع حفرها وتعميقها وتتعطل آلة ضخ المياة التي حصلنا عليها من الدولة قبل خمسون عام مجاناً كتشجيع لنا على الزراعة ولم نتمكن من تعويضها ..
أما المواطن محمد حسن السّفِت فيقول : لم يشهد وادينا مثل هذا الجفاف من قبل ولم أرى خلال سنوات حياتي التي ناهزت الستين عاماً حتى الآن الوادي على هذه الهيئة المخيفة من القحط والجفاف التي أجبرت الناس على ترك قراهم وبيوتهم التي عاشوا فيها أباً عن جد وانتقلوا للعيش في المدن التي تتوفر فيها أسباب الرزق والخدمات الضرورية الحيوية للحياة كمياه الشرب بدرجة رئيسية بعد أن جفت الأبار هنا وأختفت الينابيع والجدوال المائية التي كانت تنهمرمن الشعوب طوال العام وتوقف مشروع المياه الوحيد الذي شيّد في المنطقة قبل الوحدة وظل يمد الناس بمياه الشرب لسنوات قبل ان يتوقف تماما منذ اكثر من خمسة اعوام ..
- حافظ ردمان علي شاب يبلغ من العمر 38عاما, متزوج ولديه ولدان وبنت, من قرية "القُبع" التي تبعد عن مركزمديرية طورالباحة 11كم تقريباً، يعمل في الزراعة منذ نعومة أضافره, حاول العمل في مجال ثاني, ولكنه فشل في ذلك, لأنه لا يمتلك خبرة غير فلاحة ألأرض التي تربى عليها. قصد صنعاء طلباً للرزق ليجد عملاً يصون كرامته بسبب ذلك الجفاف, ولكن دون جدوى, فعمره لا يسمح له بالعمل في القطاع الخدمي في فندق أو مقهى, بحث طويلاً ومارس أعمال لايتقنها . ولكنه عاش في كل هذه الأعمال حالة من غربة شديدة كونه لم يمارسها في حياته. قرر أخيراً العودة الى القرية حيث استوعبوه للعمل كمتعاقد في كلية التربية بالمديرية منذ 8 سنوات ولكنه لايحصل إلا على سبعة الف ريال كراتب شهري من الكلية خاضع للاستقطاعت الضريبية وينتظر ككثير امثاله من حكومة الثورة ان تعالج اوضاعهم وتلتفت اليهم ,
يقول : لقد أصبح الوضع سيئا وصعباً جداً في الوادي والحياة فيه لم تعد تطاق وهو يزداد سؤا يوماً بعد أخرى ففضلاً عن إفتقار الوادي للمشاريع والخدمات الحيوية المهمة وغير المهمة فقد أصابنا القحط وضربنا الجفاف ونستبشر في حكومة الثورة الجديدة كل الخير ونعقد عليها آمال عريضة في أن تعيد للوادي الحيوية والحضور الزراعي والسكاني من خلال إقامة السدود والحواجز المائية وتعميق آبار مياه الشرب القديمة وحفر أخرى جديدة وإعادة تأهيل مشروع المياه الذي ظل قائماً منذ اكثر من 25 عام في المنطقة قبل ان يتعطل منذ عدٍة سنوات...
وبالنسبة لجانب التربية والتعليم فلأنه يعد من الجوانب الضرورية في حياة الفرد والمجتمع، لما له من أهمية بإعداد جيل واعد يقود البلاد ويتولى مهمة البنأ فيها ، إلا ان واقع التربية في منطقة وادي شعب يختلف كثيراً عماهو موجود في المناطق الأخرى ، حيث تشهد المدرستين الوحيدتين فيه إكتضاض كبير في عدد التلاميذ بواقعٍ يزيد عن 70 تلميذاً للفصل الواحد ، فضلا عن النقص الواضح في المستلزمات الضرورية والأساسية داخل الصف والمدرسة وبعضهم مازالوا يتلقون تحصيلهم تحت الاشجار ،وملحقيات صغيرة يفترش تلامذتها الأرض ودون كتب و سبورات علاوةعلى النقص الواضح في الكادر التدريسي لأغلب المناهج والمواد والفصول ، لذا فجانب التربية هو احد المفاصل الحيوية المهمة الذي يفترض بالقدرالكافي من الأهتمام والدعم من قبل حكومة ثورة التغيير فالمشاريع االتربوية القائمة فيه حالياً لا تكفي لإستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب ، والمدرستين الوحيدتين الموجودتان في الوادي للتعليم الاساسي والثانوي احداهما للبنين والأخرى للبنات وقد أُقيمتا في مكان واحد بين منطقة شعب ألأعلى وشعب ألأوسط لتقريب المسافة أمام طلاب المنطقتين إلا إن(المدرستين) لم تتمكنا من إستيعاب العدد السنوي المتزايد من الطلاب وخصوصا طلاب المرحلة ألأساسية ألأمر الذي حدا ببعض المدرسين قبل سبع سنوات لإفتتاح ملحقية إضافية في منطقة شعب الأوسط التي يديرها الأستاذ القدير نبيل صالح حسن الشعبيي الذي تولى المهمة منذ البداية لإحتواء الإقبال الطلابي الشديد على تلك المدرستين وتخفيف الضغط عليهما من خلال إستقطاب العدد الفائض من طلاب المرحلة ألأساسية من الصف ألأول وحتى الصف السادس حيث بدأوا بالدراسة هناك تحت ألأشجار والطرابيل التي تقيهم من حرارة الشمس لمدة عامين قبل ان تثمر جهود ألأستاذ نبيل مدير الملحقية بموافقة الجهات المعنية على بنا فصلين دراسيين هناك بعد ان تبرع الأهالي بمساحة من أراضيهم لهذا الغرض ولم تتوقف جهوده عند هذا الحد فاستمر في بذل المزيد من الجهود والمساعي حتى حصل على الموافقة بإضافة أربعة فصول أخرى في نفس المكان وتم الفراغ من بنائها وإفتتاحها قبل عدٍة أعوام إلّا إن ذلك لم يكن كافيا لحل مشكلة الإزدحام الطلابي بعد ان أُجبِرت الملحقية على قبول الطلاب من الصف ألأول وحتى التاسع من التعليم ألأساسي ومازال نصف هولاء الطلاب يتلقون دروسهم تحت ألأشجار والطرابيل التي تطوع بها رجال الخير وألإحسان لهذا الغرض كما أُقيمت ملحقية أُخرى من أربعة فصول في رأس الوادي عند قرية القويضة ولكن ألأوضاع التعليمية فيها لاتقل سؤاً عن أوضاع الملحقية الاخرى ..
هذا بالنسبة للمشاريع الموجودة في الوادي وهي تكاد – كما رأينا - تقتصر على جانب التربية والتعليم فقط أما بقية الجوانب الخدمية والتنموية ألأخرى فهي معدومة تماماً ولا توجد فيه اي مشاريع من هذا القبيل يمكن أن نتطرق الى ذكرها هنا في هذا الإستطلاع - ومازال المواطن يعاني من نقص حاد للمشاريع الصحية والحيوية التي ترتبط بحياته .. وهذا ما حملنا على القيام بهذا الإستطلاع لعل الدولة والحكومة بحاجة الى من يكتب عن ذلك لكي تلتفت الى أوضاع الناس في هذه المنطقة التي أنجبت كوكبة عظيمة من الرجال والمناضلين والقادة الذين خدموا هذا الوطن ولم يبخلوا عليه بشئ أمثال " الرئيس السابق قحطان الشعبي" ورئيس مجلس الوزرأ في عهده المناضل الشهيد :فيصل عبد اللطيف الشعبي .