عبدالعزيز ظافر معياد
لا أحد ينكر حق المواطن في الاعتصام السلمي كما لا يمكن تبرير قتل النفس التي حرم الله الا بالحق،لكننا لانستطيع تجاهل حقيقة أن حادثة مقتل احد المعتصمين من انصار الحوثي جاءت خلال محاولة قوات مكافحة الشغب فتح الشارع الرئيسي المؤدي الى المطار بعد قيام المعتصمين بقطعه ونصب خيام فيه،وهو ما أقره به محمد عبد السلام في صفحته على الفيسبوك بقوله أن اعتداء قوات مكافحة الشغب جاء أثناء نصب مخيمات اعتصام سلمية في شارع المطار ،أي ان هناك تصعيد ميداني حصل من قبل الحوثيين بمحاولتهم قطع تام لطريق رئيسي داخل العاصمة،والمعروف ان هناك فرق بين حق التظاهر والاعتصام السلمي الذي كفله القانون للجميع وبين حمل السلاح والتجول به وقطع الطرقات وعرقلة حركة السير التي جرمها القانون .
-من الواضح أن هذه الحادثة هي أولى ثمار النهج التصعيدي الذي اعتمدته الجماعة لحل الازمة المستمرة منذ عدة أسابيع مع النظام ،وهاهو الناطق الرسمي باسم الجماعة يؤكد على هذا النهج بتلويحه اللجوء الى العنف في الحديث عن ما اسماه "حق شعبنا في الدفاع عن النفس بكل الوسائل في حال تمادت في عدوانها" كما أكده قيام مسلحين حوثيين بقطع طريق ﺻﻨﻌﺎء ﺗﻌﺰ واغلاق منافذ العاصمة امام المركبات الحكومية وغير ذلك ،لكن ما هي اهداف الحوثيين من هذا التوجه؟.
اعتقد ان هناك اكثر من هدف تسعى الجماعة لتحقيقه من هذا النهج التصعيدي ومحاولة تفجير الوضع في العاصمة ومن ذلك التالي :
1-محاولة اجبار الرئيس على تنفيذ مطالبهم الثلاثة المعلنة وتلك التي لم يعلنوا عنها ويطرحونها في اللقاءات السرية من خلال رفع حجم الضغط المباشر عليه عبر اتهامه مباشرة بالمسئولية عن قتل المتظاهرين ومن ثم ضمان ابداءه مرونة اكبر في التجاوب وتلبية مطالبهم ،وهذا يمكن تلمسه بسهولة في المطلب الثاني في منشور محمدعبدالسلام يوم 7/9 الذي قال فيه "على السلطة أن تعلم أنها مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى أن تستجيب فورا وبشكل كامل لمطالب الشعب" .
2-محاولة اضعاف هادي وضمان عدم تحوله في الفترة القادمة الى عقبة رئيسية امام الجماعة وأهدافها، فقوة هادي المستمدة من الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها بحكم الدستور والمبادرة الخليجية إضافة الى ما يحظى به من دعم دولي غير مسبوق مكنته من الصمود وعدم الرضوخ لابتزاز الحركة خلال الازمة الراهنة ،لذا لابد من اضعافه مستقبلا في حال اعيد انتخابه،بحيث يتم استخدام قتل معتصمين من الجماعة كورقة ضغط مستقبلية عبر التلويح بتحريك القضية في وجه هادي باستمرار لابتزازه .
3-محاولة خلط الأوراق تماما ونسف الأسس التي قامت عليها التسوية السياسية الراهنة ابتداء من المبادرة الخليجية مرورا بانتخابات فبراير 2012م وانتهاء بمخرجات الحوار الوطني ،فسقوط مزيدا من القتلى في صفوف الجماعة يمكنها من استخدامه ذلك:
أ- كمبرر في الوقت الراهن لرفع سقف المطالب من اسقاط الجرعة والحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الى اسقاط النظام وعلى رأسه هادي وذلك بتغيير النظرة الى هادي من رئيس توافقي وطرف محايد الى خصم للجماعة بعد تورطه في قتل وجرح عدد من أنصارها ،وهذا ما عبر عنه المعتصمين بترديدهم لشعارات تطالب هادي بالرحيل،إضافة الى اتهامه بالتواطىء والارتهان للخارج ما يفسر التركيز على دور الولايات المتحدة في الحادثة وكما نلمسه في المطلب الرابع في منشور عبدالسلام الذي تحدث فيه عن ما اسماه انكشاف استخدام قوات الداخلية قنابل غازية أمريكية الصنع يفضح طبيعة العلاقة بين السلطة والولايات المتحدة الامريكية طبعا إضافة الى استخدام الدور الأمريكي لحشد مزيد من الأنصار ورفع وتيرة حماس المعتصمين.
ب-محاولة معرفة حجم الفرص المتاحة حاليا لإسقاط العاصمة بالقوة .
ج- السعي لتفجير محدود للوضع الامني بحيث يتمكن مسلحي وانصار الجماعة من اقتحام ونهب معاقل خصومهم داخل العاصمة وبالذات في الحصبة ومقر الفرقة المنحلة وجامعة الايمان .
د- توجه الجماعة نحو العنف ربما هو محاولة للتخلص من حالة الارباك والتخبط الذي وجدت قيادة الجماعة نفسها فيه خاصة مع تجاوب الأحزاب مع المبادرة التي اطلقها الرئيس لحل الازمة وميل غالبية المواطنين الى الحلول السلمية واستيائهم من اغلاق شوارع رئيسية في العاصمة قابله تعنت من الجماعة مثير للشك حول أهدافها الحقيقية،وما تسبب فيه من ارتكاب قادتها لعدة أخطاء منها دعوة عبدالملك أنصاره لترديد الشعار من اسطح المنازل في تقليد ممجوج للثورة الإيرانية وضآلة التجاوب معه .
ذ-دفع الدول الإقليمية والدولية للتدخل من جديد للحيلولة دون تفجر شامل للمواجهات المسلحة واندلاع حرب أهلية دامية بتقديم مبادرة سياسية تضع أسس جديدة للتسوية تراعي التغير الكبير في موازين القوى على الساحة اليمنية خلال الفترة الماضية وتكون أكثر قدرة في استيعاب وتلبية شروط وطموح الجماعة وحلفاءها في الحراك والحزب الاشتراكي.
-يبدو أن الجماعة مقتنعة باستحالة تجاوب المجتمع الدولي مع مثل هكذا مطالب عبر الوسائل السلمية خاصة مع تجاهل الخارج لمطالب مماثلة من قبل قيادات الحراك المتشدد،إضافة الى ادراك الجماعة أن المجتمع الدولي لا يتحرك عادة الا في اللحظات الأخيرة لمنع انفجار الوضع او محاولة احتواءه وهو في مراحله الأولى .
-يشير الى صحة هذا الطرح التالي :
1-رغم تعامل الجماعة مع الرئيس هادي ومشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني الا انها ترفض الاعتراف بصورة رسمية بشرعية المبادرة الخليجية وما افرزته من نتائج ( حكومة وفاق ورئيس توافقي وحوار وطني ومخرجاته ).
2-هناك عدد من التصريحات الصادرة عن قيادات في الجماعة تكشف عن رغبة الحوثيين في وضع أسس جديدة للتسوية السياسية ولعل اخر الأمثلة الدالة على ذلك :
أ- دعوة محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لأنصار الله، في حديث خاص لوكالة الأناضول الأسبوع المنصرم الشعب اليمني إلى "إسقاط العملية السياسية في اليمن برمتها، ليكون هناك عملية سياسية نابعة من هذا البلد وتحقق مصالحه وليس من الخارج" في إشارة على ما يبدو إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار.
ب-ما جاء في تقرير اللجنة الوطنية الرئاسية بشأن نتائج زيارتهم الى صعدة خاصة ما يتعلق بحديث عبد الملك الحوثي عن ما يعانيه انصار الله من إقصاء وتهميش وعدم التعاون معهم كـمكون شريك وعدم التشاور معهم مثل الآخرين والحديث عن تحقيق الشراكة الحقيقة في كافة الأجهزة التنفيذية الأخرى على المستوى المركزي والمحافظات ومطالبتهم بإعادة النظر في التقسيم المعلن للأقاليم،إضافة الى اعتبار كل ذلك مدخلا لأفكار يبنى عليها أعمال تصحح العملية السياسية وتدفع بها إلى تحقيق الأمن والاستقرار في البلد،اي ان هناك مطالب اخرى لم يعلن عنها بعد.
ج-تعمد الحوثي افشال مهمة اللجنة الرئاسية سواء بتجنب تقديم رد مكتوب على المقترحات التي قدمتها لحل الازمة او بالاستفزازات العديدة ومهاجمتها من قبل الفيشي وقيادات ساحات الاعتصام خلال تواجد اللجنة في صعدة او بمهاجمة الحوثي للجنة واتهامها بالكذب عقب قرار الرئيس تكليفها باستئناف جهودها مع الجماعة،إضافة الى إصرار الجماعة على التواصل السري مع هادي عبر المطالبة بإرسال الرئيس لمدير مكتبه الى صعدة او عبر المهمة التي قام بها امين العاصمة هلال في الأيام الماضية،ومن الواضح أن الجماعة ارادت ابرام صفقة سرية مع هادي بعيدة عن الأضواء ولم تكن تتوقع رفض الرئيس لمطالبها .
د-الشكوك في وجود تنسيق او علاقة ما بين الدعوة المفاجئة التي اطلقها علي ناصر محمد الأسبوع المنصرم لعقد مؤتمر انقاذ وطني وما يتمتع به من علاقات واتصالات بالنظام السوري وحزب الله وبين توجه الحوثيين نحو تفجير الوضع في العاصمة .
ذ-تلميح عبدالملك الحوثي باستهداف الامن الداخلي لدول الخليج في خطابه الأخير عند حديثه عن معاناة المغتربين وطريقة تعامل دول الخليج معهم واتهامها بدعم القوى الفاسدة في بلادنا،وكأنه يخيرها بين استقرارها وبين تغيير دورها وموقفها من الوضع في بلادنا وذلك لن يتم الا بتقديمها بمبادرة خليجية ثانية .
-في حال تجاوب المجتمع الدولي مع مطالب الجماعة فإنها ستحقق عدة اهداف ابرزها :
1-التخلص نهائيا من مخرجات الحوار وما يتضمنه من نزع سلاحها وتسليم الأراضي التي تسيطر عليها الى الدولة .
2-وضع أسس جديدة للتسوية السياسية مشابهة الى حد ما مع أسس التسوية اللبنانية او ما عرف باتفاقية الطائف التي انهت الحرب الاهلية في لبنان ،بحيث يمكنها هذا الاتفاق من التحول الى لاعب سياسي مع الاحتفاظ بسلاحها وضمان حصولها على نسبة الثلث المعطل في الحكومة ورئاسة البرلمان او الحكومة ونسبة تمثيل رئيسية في الجيش وأجهزة الدولة المختلفة .
3- اشراك ايران والاعتراف بدورها في بلادنا بصفة رسمية كأحد المشرفين الرئيسيين على تنفيذ الاتفاق ومسار التسوية السياسية في اليمن والحد من اتهامات هادي لها بالتدخل في شئون بلادنا،إضافة الى تمكين الجماعة من فتح قنوات تواصل مع ابرز اللاعبين الاقليميين والدوليين الفاعلين في بلادنا.
تبني جماعة الحوثي لمطالب تعبر عن هموم ومعانات البسطاء وتفاقم أوضاعهم المعيشية واخرى تعبر عن سخط شعبي من فشل حكومة الوفاق وتغول الفساد في مفاصل النظام، إضافة الى دغدغة الحالمين بالدولة المدنية والنظام والقانون والعدالة والمساواة عبر المطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار،مكن الجماعة من جذب شريحة لاباس بها من العامة وبالذات من الفقراء وانصار عدد من الأحزاب الى اعتصاماتها ومسيراتها في العاصمة ،لكن هل الجماعة مقتنعة فعلا بتلك المطالب وما مدى انسجامها مع رؤيتها وأهدافها ؟ام انها مجرد شعارات واداة لتحقيق مكاسب سياسية ؟هذا ما سنحاول الإجابة عليه .
أولا بالنسبة لمطلب اسقاط الجرعة :
- في تعليق زعيم الجماعة على تقرير اللجنة الوطنية الرئاسية كذب اللجنة فيما يتعلق بمسالة استعدادهم لدفع العجز الذي سيترتب على تجميد الجرعة لمدة شهرين ،ما يعني صحة ما جاء في بقية التقرير خاصة ان الجماعة تجنبت نفي او الرد على ماجاء في التقرير الذي قرأه بن دغر على اللقاء الموسع.
-كشف التقرير في عدة فقرات أخذ ورد مع الجماعة فيما يتعلق بالجرعة منها الحديث عن البدائل التي قدمها الحوثي بتأجيل الجرعة لشهرين تجري خلالها دارسة الوضع الاقتصادي وإدخال إصلاحات شاملة وبعدها تثبت الجرعة أو تلغى جزئيا أو كليا،واقتراح اخرى قدمته الجماعة حسب تقرير اللجنة قضى بإسقاط مبلغ 800 ريال من قيمة الدبة البترول أو الديزل،واذا ما اضفنا الى ذلك مطالبة زعيم الجماعة في اكثر من خطاب اعادة النظر في الجرعة ولم يطالب بإلغائها .
- يدل ذلك على أن مطلب اسقاط الجرعة وازالة اثارها على معيشة الناس ليس هدفا بحد ذاته خاصة مع حقيقة أن مقترحات الحوثيين بشأن الغاء جزء من الجرعة لن يؤدي الى تراجع اسعار المواد الغذائية والمواصلات لسببين اولهما أن مقدار الزيادة التي حددتها الحكومة بعد اقرار الجرعة كانت بسيطة ،والثاني لان الارتفاع الحقيقي في الاسعار كان قد حدث قبل ذلك جراء احداث 2011م .
-كما أن تأكيد الرئيس في خطابه مطلع سبتمبر الجاري على صحة المعلومات المتعلقة ببيع الجماعة للمشتقات في صعدة بسعر مضاعف عن سعرها الرسمي، يكشف ان القضية ليس لها علاقة بمعاناة الناس ويرجح وجود اسباب اخرى وراء تبني الجماعة لمطلب اسقاط الجرعة،مع ملاحظة أن اقتراح الجماعة بان يكون سعر البترول 3200 والديزل 2700 ريال رغم ان الديزل يستنزف ثلث ميزانية البلاد يضفي بعض المصداقية لاتهامات خصوم الجماعة بكونها ضمن الضالعين في عملية تهريب المشتقات النفطية وجنيها مبالغ طائلة من ذلك.
-فيما يتعلق بتكذيب الحوثي للجنة في مسالة استعدادهم لدفع العجز الذي سيترتب على تجميد الجرعة لمدة شهرين فمن الصعب تصديقه لعدة اسباب هى :
1- تشكل اللجنة الرئاسية من قيادات بارزة من مختلف القوى الرئيسية في البلاد.
2- رغم اهمية وحساسية هذه النقطة والضجة التي اثارتها بمجرد الكشف عنها خلال قراءة بن دغر لتقرير اللجنة ،لكن بيان المكتب السياسي يوم 30/8 خلى من أي اشارة اليها وتكذيبها ما يرجح صحتها ،ويبدو أن الجماعة ارادت من ذلك اظهار مدى استعدادها لتحمل تكاليف مالية باهضة تتجاوز ال100مليار ريال نتيجة لاخطاء الاخرين من اجل الشعب ،لكن قلق الجماعة من الضجة التي اثارها ذلك ،وما يترتب عليه من اثارة تساؤلات عن مصادر تمويلها الداخلية والخارجية دفع زعيمها الى نفي وتكذيب الامر .
3-صعوبة الاقتناع بالسبب الذي اورده الحوثي في تكذيبه للجنة والمتمثل في فقر جماعته وظروفها الصعبة،لان جماعة يخوض مسلحيها معارك في اكثر من جبهة في وقت واحد وتقوم بتغطية حاجات وتكاليف عشرات الالاف من المعتصمين في العاصمة ،اضافة الى قيامها بمهام الدولة في صعدة وعمران ومناطق اخرى وتحصيلها ايرادات الضرائب والجمارك والكهرباء والزكاة ..وبنسب أكبر من تلك المحددة في بقية البلاد ،اضافة الى ما تتلقاه الجماعة من مساعدات وتبرعات خارجية من ايران وجماعات شيعية في المنطقة ،كل ذلك يدحض مسألة فقر الجماعة وعدم امتلاكها الاموال الطائلة ،واذا كان هناك من تفسير لما قاله الحوثي عن الوضع الصعب لجرحى الحركة واسرهم واتباعه بشكل عام فأن السبب يعود الى استئثار الحوثي واسرته والمقربين منه لغالبية تلك الاموال تحت عناوين مختلفة كالخمس والفساد وتغطية المجهود الحربي يتبع .