منذ أن تم سقوط صنعاء في 21 سبتمبر من العام الماضي واليمنيون يعيشون في عزلة عن محيطهم العربي, والإقليمي, ما عدا إيران التي فرضت عليهم فرضاً, فهناك إحساس كان يتزايد يوماً بعد يوم بأنهم تركوا ومصيرهم المجهول, يصارعون الموت بالجملة, ويحاولون العيش مع الاستبداد الذي فرض عليهم من جديد وبصورة جديدة..
لتأتي عاصفة الحسم وتكسر حاجز الصمت العربي عما يحدث, مذكرةً بأن هناك شعباً شقيقاً يعاني شتى أصناف العذاب, فوجدت الحاجة لمن يأخذ بيده ويساعده, ويخرجه من المأساة التي يعيشها, بل ويخلصه من استبداد علي عبدالله صالح الذي ما زال يتحكم بمفاصل الجيش الذي سلمه _بعد أن أسقطته ثورة شعبية_ سلمه إلى جماعة مسلحة يقودها مهوسون بالقتل ونشر الخراب في الأرض اليمنية شمالاً وجنوباً, تحت مسمى “مسيرة قرآنية” كانت في طريقها إلى عدن بعد أن عاثت في المحافظات الشمالية الفساد والخوف والرعب والقتل بدم بارد تحت مسميات واهية, منها الإرهاب وكأنها أرادت تقديم نفسها بديلاً عن الدولة فهي تقوم بمهماتها واختصاصاتها ومنها مكافحة الإرهاب وحفظ أمن الناس..
لذا جاء التدخل العربي, وإن كان متأخراً, لكنه يعيد الأمل إلى كثير من الناس بأن حياتهم ستكون آمنة, إذا تخلصوا من غطرسة الحوثيين التي تعمل من أجل تركيع اليمنيين مرة أخرى, واستعمارهم بطرق أكثر استبدادية مرتهنة إلى قوة إيران ومشروعها الاستعماري التوسعي, الذي يرتكز على الطائفية وإثارة النعرات, الذي أثبت الشعب اليمني بأنه في غناء عنها, فهو محتاج إلى مشاريع اقتصادية ومشاريع عادلة ومواطنة ليس إلا..
الجدير بالذكر أن اليمنيين كانوا قد خرجوا على نظام صالح وانتقاماً منهم عمل الرئيس المخلوع على إعادة نظامه بطريقة أخرى, فسعى إلى تقوية الحوثيين وإخراجهم من صعدة, وإسقاط المدن حتى وصولهم إلى صنعاء, وهنا كانت الكارثة التي أصابت القوى السياسية وغيرها بالذهول, بل وقف العالم حينها أيضاً مذهولاً ومستغرباً بما يحدث في عاصمة اليمن التي أصبحت نهباً لمليشيا جماعة بدائية قدمت من الكهوف لإدارة دولة مهددة لمصالح اليمنيين أولاً ثم لمصالح العالم..
إلى هنا لم تنته اللعبة, بل بدأت لعبة أكثر قذارة واستهانة بكل الأعراف والقيم, إذ ظهرت مشاريع الغلبة والرأي الواحد, فبدأ الحوثيون يحكمون سيطرتهم على أجهزة الدولة, مستندين إلى ترسانة عسكرية ضخمة, عمل على جمعها النظام السابق من ثروات الشعب وقوته وقوت أبنائه, فعملوا على التوسع والاستحواذ على المحافظات الأخرى وشن حروب عبثية هنا وهناك, والأخيرة كما خططوا لها تكون على أرض الجنوب, ليتسنى لهم بعدها التحكم بمنابع الثروة والمال, التي إن استولوا عليها فيكونوا قد ضمنوا ما يحفظ تمددهم وسيطرتهم فترة أطول, ستكون هي الأقسى في تاريخ هذا الشعب, الذي انتفض عليهم سلمياً رفضاً لمشروعهم التسلطي فقتلوه بدم بارد, كما عملوا في مدينة تعز مؤخراً قبل التدخل العربي..
تصرفات كثيرة للحوثيين بدت بأنها لا تراعي قيم الإنسانية منها التضييق على معيشة الناس ومحاربتهم في مصادر عيشهم, ناهيك عن الذهاب إلى قراهم ومناطقهم تحت ذريعة الإرهاب, الشماعة التي استخدمتها من أجل تمرير مشروعها الاستبدادي, لتأتي قصة الزحف إلى الجنوب, التي كانت القشة التي قصمت ظهر غرورهم, فجعلوا من الإرهاب أيضاً سبباً لهذا الزحف الذي ارتد عليهم, بعد أن استعصت كل المحاولات لثنيهم عن تصرفاتهم, والجنوح إلى السلم والحوار..
ومن الملاحظ أن الحوثيون لا يتعلمون من أخطائهم ولا من أخطاء الماضي, فهم يرتكبون أخطاء كان قد ارتكبها حليفهم صالح, مثل اجتياح الجنوب بهذه الطريقة, التي تترك ندوباً في الذاكرة الجمعية التي لا تنسى ولا تغفر مثل هذه التصرفات الرعناء, غير مراعية لمشاعر الناس أو لحياتهم, التي أصبحت تحت مرمى قذيفة أو بندقية لرجل قدم من شمال الشمال, لا يدري لماذا أطلق رصاصه, أو ما الذي أتى به إلى مناطق أناس يبحثون عن التعايش والحياة بسلام..