ما الذي يجعل جماعات مثل أنصار الله (جماعة الحوثي) أو حزب الله التي ترعاها إيران وبعض الأنظمة السياسية أخطر على المنطقة والعالم من "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية؟ سؤال يجب أن يطرح ليس من أجل التقليل من خطر "داعش" ومثيلاتها ولكن من أجل التفريق بين إرهاب ترعاه أفكار متطرفة وحالات نفسية شاذة وبين إرهاب تزرعه وتسلحه دول لأغراض توسعية بعيدة المدى.
فالنظر إلى "داعش" أو "القاعدة" من قبل العالم اليوم كجماعات إرهابية لن يختلف حوله اثنان. ولكن ما يتم تجاهله الإرهاب الذي ترعاه الدول. فبينما لا تتردد إيران وحلفائها في اتهام دول أخرى برعاية الإرهاب بشكل غير مباشر، دون أن تستطيع تقديم أي إثبات، على هذا الدعم، للمجتمع الدولي. تقوم هي بشكل مباشر جدا ومعلن باستزراع ورعاية ميليشيات إرهابية تحت غطاء سياسي. فـ "أنصار الله" أو النسخة اليمنية من "حزب الله" اللبناني، نموذجان فقط لجماعتين إرهابيتين استغلت إيران التداعيات السياسية للعبة الديمقراطية في بلديهما كي تقدمهما كأحزاب سياسية. بينما الوقائع اليوم في اليمن وقبله في لبنان تؤكد أن هذه الجماعات لا هم لها سوى تعطيل الحلول السلمية سياسيا والدفع بالمواجهات العسكرية قدما. فبينما لبنان مشلول سياسيا بالكامل يبقى هذا الحزب مشغول بعمليات عسكرية داخل سورية يذهب ضحية لها مواطنون لبنانيون. وفي مكان ليس بالبعيد فإن الحوثيين يسيرون على الخطى ذاتها بالانقلاب على الشرعية ورفض الحوار السياسي وترويع كل من يعارضهم بالسلاح.
أحزاب وجماعات أبعد ما تكون عن لغة السياسة ومقايضاتها وتفاهماتها فمثل هذه الجماعات المزروعة من الخارج لا يهمها حقيقة وضع البلد وأحوال مواطنيه كما هي عادة أي جماعة سياسية. بقدر ما يعنيها تنفيذ الأجندات الخارجية التي وُضعت لها التي أنشئت من أجلها.
وهنا يتبين مدى سوء هذه الجماعات وحجم إرهابها مقارنة بـ"داعش" أو القاعدة التي لا يمكن أن تنتعش وتنتشر إلا بوجود دول "فاشلة" أي بوجود فراغ أمني وأراض واسعة جغرافيا تقع خارج هيبة الدولة وحكمها وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث، بحسب كثير من المراقبين، لولا ما سمي الربيع العربي، وما أحدثه من خراب وفوضى. بينما هذه الجماعات الحزبية التي عملت إيران على زرعها في خاصرة كثير من الأوطان العربية تعمل منذ زمن طويل في إثارة الكثير من النعرات الطائفية المذهبية تحت غطاء سياسي، يزعم أمام الخارج، أنه يريد فقط أن ينتصر لحقوق الأقليات. وهو ما يضفي عليه شرعية إنسانية وحقوقية تخفي تحتها الكثير من العسكرة والشحن الطائفي المذهبي الذي ما زالت سوءاته وجرائمه تتكشف يوما بعد يوم في تكريت العراق وصنعاء اليمن وغيرهما بما لا يقل عن جرائم "داعش" وأشباهه فالنهب والسلب والتنكيل، وقطع المياه عن المدنيين، ليست ممارسات الجيوش العسكرية على مر التاريخ بقدر ما هي ممارسات الميليشيات والعصابات الإجرامية.
يبقى أنه لا بد أن يدرك المجتمع الدولي خطورة الإرهاب الذي ترعاه الدول والمتمثل في جماعتي نصر الله والحوثي. فلا يكفي أن يصرح الوزير جون كيري بأن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تسليح إيران لجماعة الحوثي بل أن يرافق ذلك إجراء أممي يضع حدا لمثل هذه التدخلات السافرة على مستوى القوانين الدولية الموضوعة حديثا لمحاربة الإرهاب ومموليه وداعميه. فضلا عن القوانين الموجودة منذ زمن، التي تستنكر التدخل في الشأن الداخلي أو السيادي لدولة من الدول. وهذا ما تنتهكه إيران يوما بعد آخر ومناسبة إثر أخرى في صمت دولي وصل إلى أبشع مفارقاته وأشنع صوره باعتقاد أمريكا أخيرا أن إيران هي الحليف المناسب والشريك الملائم لمحاربة الإرهاب في المنطقة.