span style="font-size:20px">
اغلقت المليشيات عشرات المواقع والقنوات والصحف ونهبت محتوياتها وشردت مئات الصحفيين من وظائفهم وتعاملت معهم كأهداف عسكرية..
خاص - GYFM
غادر وكيل نقابة الصحفيين اليمنيين "سعيد ثابت سعيد" اليمن مجبرا، بعد أن اقتحم الحوثيون مكتب شبكة الجزيرة الذي يديره في اليمن، وقد أعيته الحيلة في تجهيز مكتب آخر بتعز عقب سقوط صنعاء، ثم في عدن بعدها، لكنه وفريقه أصبحوا رهن التتبع ومظنة الاعتقال في أية لحظة، ويتعرض مراسلها حمدي البكاري لحملات تحريض قوية الآن في عدن، رغم كونه المراسل الوحيد لقناة دولية في اليمن.
ولزم أمين عام النقابة مروان دماج، بيته بعد أن سيطرت مليشيات الجماعة على مؤسسة الثورة الرسمية للصحافة التي كان نائبا لمجلس إدارتها، ولم يأل جهدا بعد ذلك في فك حصار سهيل وأخبار اليوم ومؤسسات التلفزيون الرسمي..
اكتسب اليمنيون حرية أكبر في التعبير بعد رحيل علي صالح في 2012، "لكن ذلك جلب معه تصاعدا في العنف بحق وسائل الإعلام من قبل جماعات سياسية مختلفة تشمل أنصار الله ومؤيدي صالح وقوات الأمن الحكومية"..
ذلك ما تضمنه نصا، تقرير منظمة "هيومن رايتس" المسمى "مهنة خطرة على الحياة"..
وذلك ما حدث بالضبط منذ ذلك الحين حسب كافة التقارير الدولية والمحلية. وها قدعصفت جماعة الحوثي المسلحة بمعظم وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية قبل عاصفة الحزم، وبعضها بعدها بيوم واحد فقط..
وبحسب مصدر رفيع في وزارة الإعلام فقد أحكمت الجماعة قبضتها على مجمع البث الفضائي للتلفزيون الحكومي وقنواته الرسمية (اليمن، الإيمان، سبأ) وإذاعة صنعاء، وأغلقوا بث قناة عدن، وزرعوا أتباعهم على المناصب القيادية في الوزارة، بالإضافة إلى وكالة الأنباء الرسمية "سبأ". وحين اقتحموا عدن أغلقوا إذاعتها أوقفوا بثها من جديد بعد أن كان الرئيس هادي قد أعاده فور وصوله إلى عدن كفانا من قبضة حصار المليشيات..
الاقتحام والاحتجاز ومصادرة المعدات والاستيلاء على مقار بعض المؤسسات والاعتداء على الصحفيين واحتجازهم وسجنهم.. مفردات ولغة التفاهم الحوثي مع الصحفيين ووسائل الإعلام بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش في بيانها الصادر في 25 مارس الماضي، بالتزامن مع بيان مؤسسة "حرية" للإعلام..
قال المصور بقناة آزال "معد الزكري" للمنظمة إن مسلحين مدنيين اقتحموا منزله بعد الواحدة والنصف ليلا واقتادوه ووشقيقه - 20 عاماً معصوبي العينين، وجعلوهما في غرفتين منفصلتين، وقاموا باستجوابه بشأن مقطع إخباري كان قد صوره عن تنظيم القاعدة وطالبوه بتحديد مكان أحد قادة القاعدة الذين أجرى معهم المقابلة!.
قال الزكري إنه ظل معصوب العينين وتعرض للصعق بالكهرباء وسكب الماء القذر عليه (البول)، ومنع الطعام عنه، وزيارة الحمام إلا مرة واحدة في اليوم. وبعد ثلاثة أيام أطلقوا سراحه، محذرين إياه أن "يكتب عن القاعدة أو ضدها كثيراً".
تقدم "معد الزكري بشكوى لدى الشرطة والنائب العام، لكن السلطات أبلغته بأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً وأن عليه التقدم بشكواه إلى أنصار الله مباشرة.
"كمال جمال، ويحي الأعور" قصة أخرى لمصوري قناة سهيل اللذين احتجزهما مسلحان مدنيان بينما كانا يجريان استطلاعا للرأي في جامعة صنعاء.
أما "سيف الحاضري" ناشر ورئيس مؤسسة "الشموع" للصحافة التي تصدر عنها صحف "أخبار اليوم والشموع، ويمن فوكس بالإنجليزية والعربية"، فروى لهيومن رايتس ووتش أن نحو 40 مسلحاً اقتحموا مكتب المؤسسة وطردوا العاملين من المبنى المكون من 5 طوابق، ثم نهبوا مطبعتها وصادروا حاسبات وأجهزة بث ومعدات وشرائط واسطوانات فيديو، تبلغ قيمتها الإجمالية 186000 دولار أمريكي وظلوا في المبنى لمدة شهر في نهب مستمر، ما اضطر الزملاء إلى المغادرة إلى عدن ومعاودة الإصدار من هناك.
فور اقتحام مليشيا صالح والحوثيين عدن، عزل الحاضري نفسه وأصدرت المؤسسة بيانا بتغيير رئيس تحريرها واستراتيجيتها، لكن تصاعد الأحداث أجبرها على إغلاق أبوابها، فتوقفت عن الصدور وغادرت بلاط صاحبة الجلالة حتى يومنا هذا، وإلى الآن لا تعلم نقابة الصحفيين ولا غيرها، أين ذهب العشرات من موظفي هذه المؤسسة الصحفية الكبيرة..
وفي صنعاء أطلق الحوثيون سراح الزميل "أمين دبوان" مراسل قناة يمن شباب الفضائية، بالتزامن مع إطلاقها تهديدا شديدا ضد وسائل الإعلام التي لا تتماشى ومصلحة الجماعة (الوطنية!!) حسب ما نشرته (وكالة سبأ) حينها باسم وزارة الإعلام التي تقع تحت قبضتهم.
كان على "دبوان" أن يبقى بعدها خارج بيته إما متخفيا داخل مبنى القناة أو في مكان آخر غير معلوم كما صرح بذلك لموقع GYFM، وطالب عبره من مختطفيه بإعادة كاميرته ومقتنياته.
صباح عاصفة الحزم/ 26 مارس كانت قناة "يمن شباب" تستعد لتركيب منظومة كهربائية بالطاقة الشمسية، تعوض بها انقطاع الكهرباء وانعدام الديزل، لإنهاء معظلة انقطاع البث المباشر عدة مرات، في إحداها كان قيادي حوثي يتبجح على الهواء بضرورة فرض الشراكة.
ولكن.. وما إن غادر أمين دبوان مبنى القناة مساء ذلك اليوم، حتى أقبل مسلحو المسيرة القرآنية، وقبل أن يحتلوا مكاتبها ويعبثوا بمحتوياتها شرع المسلحون يسالون عن مركز التحكم والبث، وجاء على لسان مسئولهم: أين الشرائح اللي توجه صواريخ عاصفة الحزم!! في حين لم يكن قد مضى سوى نصف يوم فقط على بدء العاصفة.
أما قناة سهيل فقصة بدأت جذورها منتصف 2011، عندما أحرقتها قذائف نظام المخلوع صالح على خلفية تغطيتها المدهشة ومواكبتها وتوثيقها أحداث ثورة الشباب، فأتلفت إرشيفها واستديوهاتها.
ثم في 21 سبتمبر اقتحمتها مليشيات الحوثي ونهبت إرشيفها أيضا ومحتوياتها التي بحسب بيان القناة تصل إلى 2 مليار ريال. وها هي القصة تعيد نفسها كرة ثالثة في نفس اليوم الذي ذبح فيه ثور يمن شباب وقناة السعيدة ومعين وصنعاء ولاحقا قناة العربية وبلقيس ومكاتب بث القنوات العربية والأجنبية.
وتقول المصادر إن مراسل بي بي سي البريطانية الزميل عبدالله غراب ما يزال خارج العاصمة منذ اقتحام مليشيات الحوثي صنعاء في سبتمبر، بسبب خوف البي بي سي على حياة مراسلها في اليمن جراء التهديدات الحوثية..
ودان مركز صنعاء الحقوقي الاعتداءات والإنتهاكات التي طالت القنوات الفضائية ومؤسسة المصدر اليومية للصحافة، ومواقع: الصحوة نت، ومأرب برس، والمشهد اليمني، ومحرك البحث الاخباري صحافة نت..
لاحقا حجب الحوثيون موقعي "يمن فويس ويمن نت"، وجزئبا محرك البحث "مصادر نت" وسبع خدمات إخبارية عبر الموبايل وعلى رأسها "الصحوة موبايل"، وتوقفت ضمنيا صحف أخرى ك "الأهالي والصحوة واليقين والناس"، كما تم إيقاف عدد من الإذاعات الخاصة ك "صوت اليمن وناس إف إم ويمكن تايمز المملوكة لوزيرة الإعلام نادية السقاف وغيرها..
وعبر مركز صنعاء عن صدمته جراء الانفلات القيمي الذي وصلت اليه جماعة الحوثي، موضحا أنها تقف أيضا وراء حملات التحريض الهمجي على وسائل الاعلام والتضييق عليها في الظرف العصيب الذي تمر به اليمن وحاجته الماسة إلى التعامل المسئول مع الأحداث ونقل الحقيقة كما هي.
وخشى مركز صنعاء أن يكون هذا الاستهداف مقدمة صارخة لارتكاب جرائم بحق المواطنين وارهابا للشهود.
لاحقا؛ وفي خطاب متلفز حدد عبدالملك الحوثي مهمة الجبهة الإعلامية بأنها "التصدي لكل الحملات الخائنة داخليا وخارجيا".
وكشف "أشرف الريفي" سكرتير لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عن ارتكاب الحوثيين نحو 60 حالة انتهاك بحق الصحفيين في الشهرين الماضيين، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام الماضية.
في الفترة الأخيرة لجأ الحوثيون لقطع رواتب الإعلاميين بدءا ينطلق الحكومة "راجح بادي"، و"مجلي الصمدي" مالك إذاعة صوت اليمن (قدر خسارته 40 مليون ريال). وتأتي هذه الوسيلة عقابا للأصوات المناهضة لسياسات وممارسات الجماعة..
وفي هذا الصدد، قالت المديرة المساعدة في شعبة البرامج لدى المنظمة فرجيني دانغل: “إننا نشجب هذه الهجمات المتعمدة ضد وسائل الإعلام والصحفيين، حيث تشكل تهديداً حقيقياً لحرية الإعلام وعملية التحول السياسي التي تعيشها البلاد“.
ورصدت منظمة "صحافيات بلا قيود" اليمنية، نحو 125 حالة انتهاك تعرض لها الصحافيون والإعلاميون في اليمن، خلال الربع الأول من العام الحالي بينها 3 حالات قتل..
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إنه "من المعيب أن يظل التعامل مع وسائل الإعلام كأهداف عسكرية، لاقتحامها وإغلاقها، والتعامل مع الصحافيين كأعداء يجب قمعهم وإسكاتهم".
يحدث كل ذلك في اليمن، في ظل ما قدمته ثورة الاتصالات الحديثة من فضاءات مفتوحة، كسرت كل محاولات الكبت والتضييق على الصوت الحر والشجاع. وبالرغم مما سبق ذكره من قيود وانتهاك تبقى المعركة مستمرة بين الطغيان ومنابر المظلومين حتى يكتب الظفر لأحدهما.
جدير بالذكر أن قناتي يمن شباب وسهل عاودتا بثهما مجددا من تركيا وبريطانيا، بينما ظهرت "يمان" من السعودية و"أوسان" من الأردن و"بلقيس" من اسطنبول، وقال مصدر مسئول إن قناة اليمن الرسمية ستعاود بثها من جديد وبنفس التردد من الرياض.