الرئيسية - تقارير - تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين.. تدمير مستقبل اليمن

تجنيد الأطفال في صفوف الحوثيين.. تدمير مستقبل اليمن

الساعة 05:21 مساءً (هنا عدن : متابعات )

لا يزال الطالب اليمني في جامعة صنعاء، عمر عبد الباسط، يفكر في دعوات التجنيد التي تلقاها من أطراف الصراع في مدينة تعز اليمنية، في ظل اشتداد المعارك على الأرض، بعدما حاول طرفا الصراع تجنيده، لكنه رفض الانخراط في الجماعات المسلحة، متخلياً عن مغريات السلاح والمال والتدرج في القيادة.

يعتقد عبد الباسط أن تجار الحروب يريدون تدمير تعز بأبنائها، يقول لـ "العربي الجديد": "أريد إكمال دراستي حتى أبني ما يدمره هؤلاء".



إغراءات التجنيد

على خلاف حالة عبد الباسط، وافق صديقه خالد محمد، الطالب في سنته الأولى بجامعة صنعاء، على خوض التجربة، إذ كان يحلم بامتلاك سيارة مثل زملائه المجندين السابقين وأن تتبعه مجموعة من الأفراد ينفذون أوامره، ما دفعه لقبول دعوة مليشيات الحوثي للالتحاق بصفوفهم المقاتلة في تعز.

عبر جولة في تعز وثّق كاتب التحقيق، انتشاراً كبيراً للأطفال المقاتلين في صفوف المليشيات الموالية للحوثيين في ضواحي مدينة تعز، وينقل مصدر من داخل الجماعة بفخر أنهم جندوا قبل اندلاع المواجهات في المدينة نحو خمسة آلاف مجند تم الدفع بهم إلى جبهات القتال المشتعلة، مرجعاً ذلك إلى اقتناع الشعب بمختلف فئاته بالثورة التي يخوضونها على حد قوله.

بحسب أحد المجندين الذين التقت بهم "العربي الجديد" فإن معيار التجنيد هو البنية الجسمانية للطفل وقدرته على حمل السلاح بغضّ النظر عن عمره، وتظهر صور حصل عليها كاتب التحقيق ومقاطع فيديو بثها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مجندين صغاراً للجماعة تحت سن الثامنة عشرة يجهشون بالبكاء لحظة وقوعهم في الأسر بمدينة عدن، فيما قتل بعضهم في تعز.

إجهاض جهود وقف تجنيد الأطفال

يؤكد رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي أن الجهود السابقة بشأن تجنيد الأطفال في اليمن أجهضت بسبب الأحداث الأخيرة إثر دخول الحوثيين صنعاء، وأن البوادر الإيجابية المتقدمة التي اعترفت من خلالها الحكومة اليمنية في السابق بقضية تجنيد الأطفال وحصلت على اهتمام الأمم المتحدة جمدت في الوقت الحالي، قائلاً لـ "العربي الجديد": "تجنيد الأطفال موجود من قبل لدى جميع الأطراف التي لديها مليشيات لكن بنسب متفاوتة، أكثر ما رصدته المنظمات الدولية والوطنية، توسع جماعة الحوثي في الأمر، لكن لا نستطيع القول إن الأطراف الأخرى بريئة من هذا، فالكل يقوم بذلك".

وأوضح رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أنه لا توجد إحصاءات حول عدد الأطفال المجندين في الحرب الأخيرة الدائرة، لكن توجد تقديرات وملاحظات من قبل الناشطين في منظمة سياج مبنية على مقابلات لمجندين صغار، مشيراً إلى رصد زيادة تقدر بـ 200% في ظاهرة تجنيد الأطفال في الصراعات المسلحة في اليمن.

توثيق ميداني

في مدينة تعز يمكن ببساطة مشاهدة عشرات المجندين الصغار ينتشرون في شوارع المدينة من بينهم طفل لا يتجاوز 15 عاماً، شاهده كاتب التحقيق يحمل بندقيته التي تكاد تصل إلى الأرض، حاول الحديث معه لمعرفة سبب حمله البندقية لكنه رفض الحديث تماماً، آخر يقترب منه في العمر وقف وسط مدينة تعز، يحمل بندقية أطول منه، ويرتدي الزي القبلي، بينما تمر سيارة تقل مسلحين وقفت إلى جواره، خرج منها أحدهم، أخرج يده وحمل الطفل مرة واحدة، إلى داخل السيارة (إشارة إلى صغر سنه وخفة وزنه).

يؤكد فاروق عبد الرحيم، مواطن من مدينة تعز، لـ "العربي الجديد" أنه شاهد مجندين صغاراً تراوح أعمارهم ما بين 16 -17 عاماً في منطقة جولة القصر بمدينة تعز، منطقة تتبع القوات الخاصة الموالية للحوثيين وصالح، يرتدون بزات عسكرية عليها نجمات (إشارة إلى رتبهم العسكرية)، واستغرب عبد الرحيم أن يحمل هذه الرتب مجندون في هذا السن.

فتش عن الفقر

تقف الحالة الاقتصادية السيئة التي يعانيها أغلب اليمنيين، وراء تجنيد الكثير من الأطفال في اليمن، ويهدف الآباء من إرسال أبنائهم للتجنيد، إلى الحصول على وظيفة، يحصل بموجبها ولده على راتب شهري قدره 30 ألف ريال (140 دولاراً) يغطي حاجات الأسرة، وهو ما دفع والد أحمد الرشيد للموافقة على انخراط ابنه مع قوات الحوثيين وصالح في تعز.

يوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز مجيب شمسان، أن الأسرة لها دور كبير في إقحام أبنائها في الصراع المسلح، نتيجة احتياجها للمال، مشبهاً الأطفال بسلعة لدى هذه الأسر يجنون من خلالها المال، وهو ما يتوافق مع حالة التحريض واستغلال غياب الوعي الثقافي لدى من يقومون بتجنيد الأطفال.

يرى أستاذ علم الاجتماع أن تجنيد الأطفال سيخلق نزاعات اجتماعية مستقبلاً، ويقول: "الأطفال المقاتلون تتكون لديهم تصورات خاطئة وأحقاد ضد الآخرين، الطفل في مثل هذه السن لا يستطيع أن يستوعب ما بعد المعركة؛ يعتقد دائماً بوجود عدو يجب مقاومته".

عواقب نفسية

يوضح أستاذ علم النفس في جامعة تعز، الدكتور صادق المخلافي أن الطفل المجند تصيبه إعاقة انفعالية أو حركية تجعل منه عالة على المجتمع وعلى أسرته متدنية الدخل، عند انتهاء النزاع، كما يصبح شخصاً مضطرباً نفسياً غير سوي وعدواني يمثل للمجتمع مشكلة كبيرة لا تنتهي.

يضيف المخلافي لـ "العربي الجديد": "كثير من الأطفال تجدهم مندفعين ويقاتلون في الصفوف الأولى، بعضهم أيتام تم دفعهم للقتال في تعز وعدن واستغلال فقرهم، لتحويلهم إلى آلات عدوانية تقتل من دون هوادة ومن دون رحمة، وتدمر الوطن ومستقبله، والذي يعدون جزءاً منه".